الشتاء في التراث الشعبي الفلسطيني - الشتاء في التراث الشعبي الفلسطيني - الشتاء في التراث الشعبي الفلسطيني - الشتاء في التراث الشعبي الفلسطيني - الشتاء في التراث الشعبي الفلسطيني
الشتاء له طعم خاص في التراث الشعبي الفلسطيني، ففي (الشتوية) كما يطلق على هذا الموسم شعبياً، اعتاد افراد العائلة والاقارب والجيران والاصدقاء التحلق حول مائدة النار (الكانون) طلباً للدفء. ويستمر السهر والسمر حتى ينطفي قبس النار او يكاد، حيث كان الاباء والاجداد يستمعون الى قاص شهير في القرية او من اقاربهم يروي لهم" عنترة بن شداد وعبلة بنت مالك" "والزير سالم" و""تغريبة بني هلال"" وغيرها من قصص التراث العربي. ولا يخلو الامر من نكات وفوازير (حزازير) عادة ما توجه الى الفتيان والفتيات، وكذلك حكم وكلمات لها معنى تتردد على لسان هذا البطل او ذاك ليستفيد منها ابناء الجيل الصاعد.
وبينما يتمنى الكهول الجالسين حول الكانون المزيد من الامطار ليزيد المحصول في الموسم القادم، فإنهم لا يتوقفون عن ذكر ورواية احداث جرت لهم في سني شبابهم بسبب الامطار الغزيرة وفيضانات الاودية. بالمقابل يروون ذكريات عن سنين عجاف، عز فيها المطر وجف الزرع وتراجع المحصول.
فترات الشتاء: اما الشتاء فيقسم الى فترتين مجموعهما هو 90 (تسعون) يوما، هي موسم الشتاء كله.
الفترة الاولى : تسمى وتدوم 40 (اربعين) يوما وتسمى الاربعينية او المربعنية.
الفترة الثانية: وهي الخمسينية، وهي بدورها تنقسم الى اربع فترات متساوية، تحمل كل منها اسم سعد، علما بان احدا لا يطلق على هذه الفترة اسم الخمسينية كما هو الحال بالنسبة للفترة الاولى ( الاربعينية) و السعود( جمع سعد)هي:
· سعد الذابح.
· سعد بلع.
· سعد السعود.
· سعد الخبايا.
وسنشرح تالياُ عن كل فترة من فترات الشتاء وعلى لسان الفلاح الفلسطيني.
الفترة الاولى: وهي الاربعينية او (المربعنية ) كما اسلفنا وتمتد من صبيحة 32 كانون الاولى وحتى مساء الحادي والثلاثين (31) من كانون الثاني ومدتها40 (اربعين يوماً) بالتمام والكمال. والمربعنية في الثقافة الفلسطينية هي العمود الفقري لفصل الشتاء، فصل الخير، حيت يتفاءل الناس بمحصول وفير في المواسم التالية، وخاصة موسم الزيتون الذي يعتبر عصب الاقتصاد الفلسطيني. كما يحرص الفلاح الفلسطيني على ملء البئر بمياه المطر لاستخدامها في الصيف التالي، وتسهيل القنوات للابار الزراعية المنتشرة في حقول اللوز والزيتون والقمح والشعير.
وبالعادة فان التفاؤل والفرح يبتعدان اذا ما طال الطقس المشمس في فترة المربعينة بدل المطر، مع قبول المزارع الفلسطيني ببضعة ايام مشمسة متفرقة في هذه الفترة تسمح له بزيارة ارضه واصلاح ما سببته الامطار الجارفة، وجمع الحطب استعداداً لليالي الماطرة القادمة الى غير ذلك من الاعمال التي يسعده القيام بها تحت شمس الشتاء.
كما ان الربيع والعشب ينموان بفعل اشعة الشمس الشتوية الدافئة في هذا الموسم، فتكتسي الارض باللون الاخضر، تزينها الزهور الحمراء والبنفسجية والصفراء والبيضاء هنا وهناك، بالرغم من ان هذا الموسم ليس بموسم الإزهار.
ويتصف طقس المربعنية بانه بارد وعاصف، طوال فترة الإمطار، ويعتقد الكثير من المزارعين الفلسطينيين بان البرد في المربعنية له ايضاً تاثير ايجابي على المحصول الشجري في الموسم اللاحق.
واعترافا بالطقس في هذه الفترة، واقراراً ببرودته، فان الفلاح الفلسطيني كان دائماً يجهز البيت بالحطب الكافي لاطول فترة ممكنة استعدادا لاستقبال المربعينية. كما تشتري الام لاطفالها الملابس الشتوية او تخيطها، بما فيها المعطف (الكبوت) للزوج، ويحرص الكبار على شراء الملابس التي تبعث على الدفء قبل حلول موسم الشتاء.
الفترة الثانية: وتستمر 90 يوماً وتسمى الخمسينية وتقسم الى اربع (4 ) فترات نفصلها فيما يلي:
السعد الاول:سعد الذابح:
ويمتد لمدة 12,5 يوم (اثنا عشر يوم ونصف)، تبدأ صبحية اليوم الاول من شباط وتنتهي منتصف اليوم الثالث عشر منه. سميت هذه الفترة بسعد الذابح بسبب كميات الامطار التي تهطل فيه بغزارة. وتقول الحكاية ان راعياً كن يرعى بقره بعيداً عن مكان سكنه، في اليوم الاول من شباط، داهمته الامطار الغزيرة دون توقف. لما لم يجد مغارة قريبة ياوي وقطيعه اليها، اضطر هذا الراعي واسمه سعد، الى ذبح بقرة من قطيعه والالتحاف بجلدها طوال فترة المطر التي استمرت اثنا عشر يوماً ونصف اليوم، مما نجاه من موت محقق. حيث كان ذبحه للبقرة والتحافه جلدها سبباً في نجاته من الامطار الغزيرة.
وعندما عاد الى اهل عشيرته استقبلوه مهنئين بعودته سالما، وبحكمته في الالتحاف بجلد بقرته بعد ذبحها، معتبرين جميعا ان ذبح بقرة من قطيعه والتحافه جلدها كان السبب الرئيس في نجاته من الهلاك،انتشرت قصة سعد وذكائه بيمن المناس حتى سموا هذه الفترة من الشتاء ب ""سعد الذابح"" نسبة له ولعمله. ويبدو انهم اطلقوا ايضا على الفترات التي تلي سعد الذابح والتي تساويه في طول المدة ب " سعد" ايضا مع التفريق بينهما بالصفات.
السعد الثاني: سعد بلع:
وتسمى الاثنا عشر يوم ونصف التي تلي سعد الذابح ب" سعد بلع"، وتمتاز هذه الفترة بان الارض تبتلع الامطار التي تهطل طوال هذه الفترة ويقال حينها ان "الارض وسيعة ( واسعة)" لتعكس قدرة الارض على ابتلاع كمات المطر التي تهطل عادة في هذا " السعد".
السعد الثالث:سعد السعود:
وهو السعد الثالث في الموسم الشتوي الواحد، ومدته كأشقائه وهي اثنا عشر يوما ونصف ويمتد الى الايام الاوائل من شهر آذار. بمعنى ان شهري شباط واذار يشتركان فيه. ويقال " في سعد السعود تدور المية في العود". اي تتحرك العصارة في اغصان الاشجار. وتلاحظ هذه العصارة عند كسر اي غصن صغير من شجرة.
ويتخلل هذا "السعد" ما يسمى ب " المستقرضات" وهي سبعة ايام. منها اربعة ايام من شهر شباط وثلاثة ايام من شهر اذار، تهطل فيها لامطار طوال هذه الايام البعة بغزارة. والمستقرضات لها حكاية في التراث الشعبي الفلسطيني.
الايام المستقرضات وحكايتها: يحكى ان سيدةتملك قطيعا من الغنم. ما ان شارف شهر شباط على الانتهاء حتى راحت تتحدى المطر وتتندر على شهر شباط الخباط الذي يكاد ينتهي دون ان يلحق بها ولا بماشيتها اي اذى. سمعها شهر شباط، فقرر ان ينتقم منها ويرد اعتباره واعبتار موسم الشتاء عموماً. فما كان منه الا ان استصرخ ابن عمه شهر اذار ليقرضه عدداً من ايامه الماطرة مخاطبا اياه " "يا اذار يا ابن عمي ثلاثة منك واربعة مني حتى نهلك هذه العجوز ونخليها(ندعها) في الوادي تغني"" اي تصرخ طالبة النجدة بينما تجرفها وما شيتها مياه الوادي.
فما كان من شهر آذار الا ان استجاب لنداء رد الاعتبار، واقرض ابن عمه ثلاثة ايام ماطرة، اضافها شباط الى اربعة من ايامه. تواصل المطر طوال الايام السبعة حتى جرف العجوز وغنمها. ودفعت العجوز ثمن استهارها بشهر شباط وبامطار شهر شباط.
السعد الرابع:سعد الخبايا
وهذا هو السعد الاخير، وسمي هكذا لان الافاعي ومثيلاتها تخرج من جحورها، بعد فترة السبات الشتوي الطويلة. ذلك ان الشمس بدأت ترسل اشعتها على الارض، واخذت حرارة الجو بالازدياد واكتست الارض بالازهارومختلف الاعشاب بفعل اشعة الشمس وحراراتها التي تبعث الحياة. وليست الافاعي هي التي تخرج من جحورها فحسب بل العقارب والسحالي والرظاعات والحراذين وغيرها من الزواحف التي تنشط صيفاً وتبيت شتاءً.
الاشهر الشتوية:
يمتد موسم الشتاء من اواخر كانون اول وحتى شهر اذار كما سبق واسهبنا، الا ان الامطار يمكن ان تسقط بالطبع قبل شهر كانون اول، اي في اشهر ايلول وتشرين اول وتشرين ثاني وكذلك في شهر نيسان.
وقد لاحظ الفلاح الفلسطيني ميزات كل شهر من هذه الاشهر، فقال عن المطر في الكوانين " كانون اول وكانون ثاني" انه " اسمن السمين"، بمعنى ان المطر في هذين الشهرين يزيد من الخيرات والغلال الوفيرة في المواسم التالية. فيعم الخير ويكون موسم الزيتون " ماسية " بمعنى كثير المحصول، وكذلك القمح والشعير والكرسنة والبيكا والفول وغيرها، ممما يزيد ايضا من طعام المواشي من الحبوب والتبن، وكذلك العشب الذي يشكل طعاما للاغنام والابقارالتي تقدم اللحم والحليب، وكذلك الحمير والبغال والخيول التي تستخدم لحراثة الارض والركوب ونقل المحصول.
اما الامطار في شهر ايلول، فقد نسبها الفلاح الفلسطيني فقيل عن مطرة ايلول بانها "مطرة الصيب" ويؤرخون لها بانا تقع في السابع والعشرين من ايلول. وهنااشارة ان الزيتون قد نضج او صلب، لكن موشم القطف( الجداد – بتسكين الجيم-كما يسمى في بعض القرى) لم يحن بعد. اذ المزارع الفلسطيني ما يزال يزال ينتظر مزيدا من المطر في شهر تشرين اول ليغسل ثمر الزيتون قبل قطافه. اضف الى ذك ان المطر في التشرينين الاول والثاني يلطف الجو ويساعد على مما ينشط المزارع الفلسطيني ويعطيه مزيدا من الحيوية والنشاط اثناء تاديته هذا العمل الشاق.
شهر شباط: يعرف عن شهر شباط بانه كثير الرعد والبرق وغزارة الامطار. لكن يتخلل كل ذلك ايام واجزاء من ايام مشمسة دافئة تذكر المزارع بالصيف. وليعبر عن ذلك فقد قال المثل الشعبي عن شهر شباط بانه " بشبط وبخبط وريحة (رائحة) الصيف فيه": ويسمى ايضاً" شباط الخباط"، والخباط شديد الرعد.والفعل يشبط (ذكرت اعلاه بشبط بضم الباء) كناية عن الطقس المتقلب شديد العواصف والرعود والامطار والبرق حتى ان هذا الفعل اصبح يفهم هكذا بالرغم من انه مشتق من اسم الشهر.
وفي شهر شباط تتزاوج القطط حتى قيل بان القطط "تشّبط" اي انها تستعد للتزاوج في شهر شباط.
شهرآذار: وقد وصف شهر آذار بان الطقس فيه يمطر قليلا ويشمس قليلا، وبالتالي فلا يجوز الاطمئنان في اذار الى ان موسم الشتاء انتهى بسبب بضعة ايام دافئة. واذا فكرت كذلك وخففت من ملابسك على اعتبار ان الشتاء قد ولى، سيعاقبك آذار وتصيبك حالة من البرودة والمرض. وقيل على لسان الفلاح الفلسطيني ""اذار مرة شميسة ومرة امطار"".
شهر نيسان: اما شهر نيسان فهو الشهر الذي يكون المحصول القمح قد بدأ بالنضوج واخذت السنابل بالتكون. وبالرغم من الدفء والحرارة في هذا الشهر، الا ان موجات من البرد القارس تتخلل هذا الشهر. ويؤكد المثل الشعبيي الفلسطيني ان " برد السبل بيقتل الجمل" اي ان على الفرد الانتباه الى ان هذا الشهر لا يزال بارداً وخطراً على الصحة اذا ما تم الاستهتار به. وفي المواسم الغنية بالامطار فان الاطفال في شهر نيسان يخرجون الى للسباحة في البرك التي تشكلت في الوديان، حيت يكون الجو دافئاً، وتحلو السباحة في هذه البرك التي يسميها البعض " جهران- بضم الجيم" ومفردها جهير.
الغزل والبنات في موسم الشتاء:
الفلاح الفلسطيني مرهف الحس اعتاد على الغناء والغزل بالحبيبة في كل المواسم بما فيها فصل الشتاء. ولا ننسى ان مختلف انواع الزهور في الشتاء وبكل الاولون: الاصفر والاحمر والبنفسجي وباشكال مختلفة.
وتنسج الفتيات الفلسطينيات اطواقا من الازهار والورود من مخلف الالوان تضعها في شكل اكليل على راسها، فترى واحدة باكليل اصفر واخرى باكليل بنفسجى وتالثة باكليل مختلفة الوانه. كما تحرص كل فتاة على جمع باقة من الزهور وخاصة النرجس تحملها الى البيت تملؤه رائحة عذبة.
واعتادت البنات في بلادنا التقاط زهرة والبدء بخلع وريقاتها البيضاء واحدة بعد الاخرى بحيث تقول عند خلع الوريقة الاولى" بحبني" اي ان الشاب الذي احبه يحبني.... وعند خلع الثاني تقول"" لا يحبني"" والثالثة يحبني وهكذا فان جاءت اخر وريقة من الزهرة متطابقة مع تعويذة "" يحبني"" تفاءلت الفتاة خيرا واستبشرت بحب وغرام صادقين، اما اذا تطابق خلع اخر وريقة مع تعويذة "لا يحبني" تكدرت الفتاة وراحت وبسرعة تبحث عن زهرة اخرى تلتقط وريقاتها لتكرر طقوس الحب المأمول ولتحصل على" بحبني" من الزهرة التي التقطتها.
هذه هي اجواء شمس الشتاء والغزل وسلوكيات البنات فيها،اما الشباب فبدورهم لا يفوتون هذا الموسم، حيث يحرصوا على اهداء صديقاتهم بعض الزهور.
ولعل خير وسيلة لارسال هذه الزهور الى الحبيبة هو الكتاب، فبالاتفاق بينهما يحرص الشاب على اخذ كتاب لمادة معينة من صديقته ابنة صفه للدراسة بحجة فقدان كتابه. وفي اليوم التالي يعيده لها وبين جنياته زهرات مختلفة الالوان. ولا ينسى ان يعبر لها عن اعجابه بها وبتاثيرها عليه ورغبته الجامحة برؤيتها والحديث اليها ولو من بعيد، او تبادل الرسائل بينهما بان يصفها بانها "شمس الشتاء". كناية عن اعجابه بجماله ودفء صوتها ورقتها.
كما تلعب الفتاة الفلسطينية مع الفراشات التي تتطاير من زهرة الى زهرة، تلاحقها لتلتقطها، فان حالفها الحظ في ذلك فانها تنظر بافتان الى الفراشة ثم تعاود اطلاق سراحها.