حبال من رمال - حبال من رمال - حبال من رمال - حبال من رمال - حبال من رمال
حبال من رمال
د. أحمد نوفل
1- مدخل.
في هذه الحلقات من لغة وسياسة نتحدث عن مفردة في لغتنا الجميلة الحبيبة الوارفة الظلال، والوافرة الغلال، هي (ح ب ل)، ورأينا وسنرى كم لغتنا واسعة فياضة سخية العطاء، وسنرى كيف تتشعب المفردة وتتداخل الموضوعات، وسنجد أنها في تفرعاتها، تصب في أودية السياسة التي حشرت نفسها في كل شيء.
ومن ضمن أهم أهدافنا استكناه واستكشاف جنبات جنات لغتنا والجنى الداني لكل مفردة فيها والغنى اللامتناهي لهذا الكنز المعرفي، الذي علينا جميعاً بذل أعظم الجهود في استكشاف عوالمه السحرية الغنية.
وفي مراجعنا اللغوية نعتمد بشكل أساس على اللسان وعلى تاج العروس، الذي هو في خدمة تحقيق النص قد يتقدم على اللسان، وإن اعتمد عليه وعلى القاموس. وقد نقلنا عن "ندوة تاج العروس" بعض أوجه أهميته ونواصل قليلاً في هذه الحلقة.
يقول الدكتور محمد الرميحي (الذي ظل رئيس تحرير مجلة العربي لمدة عشر سنوات بعد أحمد بهاء الدين إن لم أكن نسيت) يقول عن تاج العروس: "هذا الكنز هو أعظم هدية معرفية تراثية.."، "إن معجم تاج العروس أصبح مرجعاً أساسياً لكل الباحثين وأساتذة اللغة والأدب والثقافة في الجامعات والمجامع اللغوية على المستويين العربي والعالمي".
2- كلمة الحبل بمعناها لا بلفظها في القرآن.
بعد أن ذكرنا في الحلقة السابقة موارد كلمة أو مفردة الحبل بلفظها في القرآن. وذكرنا أنها مفردة ومجموعة وردت 7مرات، 5مفردة، واثنتان جمعاً وهما أي مرتا الجمع، في حبال سحرة فرعون. والحبل مفردة منسوبة إلى الله وردت مرتين: "واعتصموا بحبل الله" "إلا بحبل من الله".
والآن في هذه الحلقة نتكلم عن موارد الحبل في كتاب الله العظيم لا باللفظ، وإنما بالمعنى كما وردت في القرآن الكريم. ففي سورة الحج ورد قوله تعالى: "من كان يظن أن الله لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ" 15.
والمعنى بإيجاز: من كان يظن أن الله لن ينصر نبيه محمداً فليعلق حبلاً في السقف وليشنق نفسه، لأن دين محمد صلى الله عليه وسلم سيظهر ومحمد سيُنصر، فإن كان لا يحتمل هذا المنظر فليقتل نفسه قبل أن يراه. باختصار: من ظن أن محمداً لن ينتصر فليذهب فلينتحر لأنه سينتصر.
قال ابن عاشور: "السبب: هو الحبل الذي يمد ليرتقى عليه في النخلة أو السطح. والقطع: قيل يطلق على الاختناق لأنه يقطع الأنفاس. سبق هذه الآية ذكر فريقين الأول: "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم"، والثاني: "ومن الناس من يعبد الله على حرف" وهذه الآية ذكر لفريق ثالث وهم جماعة أسلموا واستبطأوا نصر المسلمين، فأيسوا منه وغاظهم تعجلهم للدخول في الإسلام وأن لم يتريثوا في ذلك، وهؤلا هم المافقون. فضاقت صدورهم فخطرت لهم خواطر شيطانية أن يتركوا الإسلام ويرجعوا إلى الكفر فنزلت الآية تقول لهم: إن كانوا آيسين من النصر في الدنيا، ومرتابين في نيل ثواب الآخرة، فإن ارتدادهم عن الإسلام لا يضر الله ولا رسوله، ولا يكيد الدين وإن شاءوا فليختنقوا فينظروا هل يزيل الاختناق غيظهم. وقد يكون الضمير في قوله تعالى: "ينصره" عائداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ما روي عن ابن عباس" 17/218.
وقال "اللسان" في معناها: "من يظن أن لن ينصر الله محمداً حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظاً. والسبب: الحبل. والسماء: السقف.. أي فليمدد حبلاً في سقفه.. ليمد الحبل حتى ينقطع (أي نفَسه) فيموت مختنقاً. قال أبو عبيدة: السبب كل حبل. والسبب من الحبال القوي الطويل. وقال آخر: لا يدعى الحبل سبباً حتى يصعد به وينحدر به..الخ".
وورد الحبل بالمعنى إشارة في قصة آدم وإبليس (بالمعنى المجازي) في قوله تعالى: "فدلاهما بغرور" الأعراف22. والمعنى أن الشيطان وسوس لآدم وزوجه واستدرجهما حتى ذاقا الشجرة، فتداعت عليهما المشكلات، فكأنه بهذه الوسوسة أنزلهما إلى بئر وقطع بهما الحبل.
قال في المنار: "فدلاهما بغرور: دلّى الشيء تدلية أي أرسله إلى الأسفل رويداً رويداً. لأن في الصيغة معنى التدريج أو التكثير، أي فما زال يخدعهما بالترغيب في الأكل من الشجرة، والقَسَم على أنه ناصح بذلك لهما به، حتى أسقطهما وحطهما عما كانا عليه من سلامة الفطرة، وطاعة الفاطر بما غرهما به، والغرور الخداع بالباطل، وهو مأخوذ من الغِرَّة (بالكسر) والغَرَارة (بالفتح) وهما بمعنى الغفلة وعدم التجربة"8/310.
ووردت بمعنى الكلمة أعني كلمة الحبل كما ذكر عديد من التفاسير أو عدد منها في معنى قوله تعالى: "ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط.." الأعراف. قالوا: الجمل هنا: حبل السفينة السميك الغليظ. حتى ينسجم مع "سم الخياط" وسم الخياط: "خرم الإبرة" على رأي إخواننا المصريين.
وهذا الرأي لا أرجحه، لكني أذكره لوروده وإن كنت لا أرجحه. وإنما الجمل هو الجمل أبو رقبة، ما غيره، آكل الشوك، أبو شفة مشقوقة، أبو الثفنات.
ونكتفي بالتوصيف ولا نتنابر بالألقاب. وممن قال بأنه حبل السفينة: أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط فقال: "الجُمَّل بضم الجيم وفتح الميم المشددة: القلس الغليظ وهو حبل السفينة تُجمع حبال وتُفتل وتصير حبلاً واحداً، وقيل: هو الحبل الغليظ من القِنَّبِ، وقيل الحبل الذي يصعد به في النخل" 5/58.
وكذلك قال القاسمي في محاسن التأويل: "الجُمَّل بمعنى حبل السفينة الغليظ الذي يقال له (القلس). ويقرأ بضم الجيم وفتح الميم وتشديدها، وهو الحبل الغليظ، وهو جمع مثل صوّم وقوّم"5/51.
ولعل من هذا الوادي ومن هذا المورد هذه الآية الكريمة من سورة البقرة: "إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب" 166. وهي –إن سلمت أنها بمعنى الحبال كما قلنا أعلاه- فهي بالمعنى المجازي قطعاً. فما ثم "أسباب" بمعنى الحبال المادية بين الأتباع والمتبوعين. قال اللسان: السبب كل شيء يتوصل به.. والجمع أسباب. وذكر معنى الآية: وتقطعت بهم الأسباب قال مجاهد: تواصلهم في الدنيا. وذكر قول الشاعر: "وتقطعت أسبابها ورمامها" وقول زهير:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم
وذكر قول الأعشى:
لئن كنت في جب ثمانين قامة ورقيت أسباب السماء بسلّم
والسبب هو كل ما يتوسل ويتوصل به إلى شيء آخر. ولعل من هذا أيضاً قوله تعالى: "فليرتقوا في الأسباب"ص10. ولعل منه أيضاً هذين الموطنين في آيتين متتاليتين في سورة غافر: "وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب. أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى".
وفي سورة الكهف وردت سبباً (4) مرات في قصة ذي القرنين. "آتيناه من كل شيء سبباً، فأتبع سبباً.." من الآيات 84-92.
قال ابن عاشور: "والسبب: حقيقته الحبل، وأطلق هنا على ما يتوسل به إلى الشيء من علم، أو مقدرات، أو آلات التسخير على وجه الاستعارة كقوله تعالى: "وتقطّعت بهم الأسباب" البقرة166. والسبب: الوسيلة. والمراد هنا معنى مجازي وهو الطريق لأن الطريق وسيلة إلى المكان المقصود، وقرينة المجاز ذكر الاتباع والبلوغ" 16/17.
وقال الظلال: " لقد مكن الله له في الأرض، فأعطاه سلطاناً وطيد الدعائم، ويسر له أسباب الحكم والفتح. وأسباب البناء والعمران، وأسباب السلطان والمتاع.. وسائر ما هو من شأن البشر أن يمكنوا فيه في هذه الحياة"4/2287.
وفي قوله تعالى: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها" الأعراف187 والنازعات42. ومعلوم أن "المرسى" أو "المرساة" في السفن هي قطعة حديدية ضخمة مثلثة مفتوحة تلتقي عند رأس كالسهم مربوطة في مقدم السفن فعندما تصل السفينة الميناء فإنها تلقي مرساها أو مرساتها في البحر فإذا سارت رفعت المرسى، كما نضع تحت عجلات السيارات في المنحدرات حجراً أو قطعة خشبية، وكذا الطائرات. والحبل الذي تشد به المرساة في العادة "جنزير" حديدي ضخم، لأن الحبل العادي ليس الأصلح لهذه المهمة.
قال الظلال في معناها ونلخص من الموضعين: "إن الساعة غيب من الغيب الذي استأثر الله بعلمه، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه، ولكن المشركين يسألون الرسول عنها.. إما سؤال المختبر الممتحن! وإما سؤال المتعجب المستغرب! وإما سؤال المستهين المستهتر! أيان مرساها؟ أي متى موعدها الذي إليه تستقر وترسو؟! فكان المتعنتون من المشركين يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم كلما سمعوا وصف أهوال الساعة وأحداثها وما تنتهي إليه من حساب وجزاء.. متى أو أيان موعدها؟ والرسول صلى الله عليه وسلم بشر لا يدعي علم الغيب، مأمور أن يكل الغيب إلى صاحبه، وأن يعلمهم أنها من خصائص الألوهية، وأنه هو بشر لا يدعي شيئاً خارج بشريته ولا يتعدى حدودها، إنما يعلمه ربه ويوحي إليه ما يشاء" 3/1409، 6/3819.
(ذكرت في حلقة سابقة كتاب ضابط المخابرات الأمريكية ايفلاند عن الشرق الأوسط وعنوانه: "حبال من رمال")
يقع الكتاب في ثلاث وستين صفحة وستمئة. وثلاثين فصلاً. وترجمه سهيل زكار، ونشرته دار طلاس. والطبعة التي نعرف بها هي الطبعة الثانية سنة1985. والمؤلف هو: ويلبر كرين ايفلاند/ مسؤول المخابرات الأمريكية. هكذا بالضبط.
في مقدمة سهيل زكار التي استغرقت 9 صفحات حاول أن يسقط التاريخ على الواقع والجغرافيا، خاصة أن ترجمته لهذا الكتاب جاءت بعد كامب ديفيد وخروج مصر من معادلة الصراع. كأن يقول إنه أثناء اهتمامه بتاريخ الحروب الصليبية ركز جهوده على الفترة التي وقعت بين وصول الغزاة الفرنجة للمرة الأولى إلى أطراف الشام وحتى انتهاء الحملة الثالثة، وجدت العراق –في تلك الحقبة- غارقاً في مشاكله الخاصة، لا يشارك في جهود التصدي للغزاة. ولا يتورع عن التآمر ضد قادة الشام. (الإسقاط واضح جداً!) الذين أوقفوا أنفسهم على أعمال الجهاد والتحرير. وكان على صلاح الدين أن يحتاط من تآمر الخليفة العباسي وهو يعد لخوض حطين. وحكام القاهرة رحبوا بالغزاة الفرنجة ثم تعاونوا معهم إلى حد أن حامية صليبية تمركزت في القاهرة لحماية السلطات.
وخلال هذا كله تحملت بلاد الشام أعباء التصدي للغزاة الذين جاؤوا من أوربا.. جاءت أوربا بقضها وقضيضها وتدفقت براً وبحراً على الشام لتحويل الشرق ليكون وطناً أوربياً لاتينياً فيما وراء البحار.. وصمدت الشام.
ثم قفز إلى "ما تشهده ساحات الشام الآن (كتب هذا الكلام سنة83)، حيث أساطيل أحفاد الصليبيين تسعى الآن لإسقاط الشام، بعدما جندت غالبية حكام العرب للتعاون معها وخدمة مصالحها. ثم قال: كم رددت: ما أشبه الليلة بالبارحة. من هنا كان عمله في هذا الكتاب ترجمة. ثم قال عن مؤلف الكتاب: كان في العقود الثلاثة الماضية يعيش مشاكل الشرق الأوسط ويسهم في صنعها، بمثابة ممثل لإدارة الاستخبارات الأمريكية، ووزارة الخارجية الأمريكية ولوزارة الدفاع والبحرية الأمريكية ومؤسسات البيت الأبيض. لقد عمل في بغداد مع نوري السعيد وعبد الإله وغازي الداغستاني وعاش في طهران وتعايش مع الشاه والسافاك (المخابرات الإيرانية)، واجتمع بعبد الناصر والتقى بالملك سعود، كما زار الأراضي المحتلة في فلسطين وكانت له جولات مع الموساد. وعاش في دمشق طويلاً وجند ميخائيل ليان ودفع له الأموال من أجل انقلاب. بعدما اجتمع برشدي الكيخيا ولم يره أهلاً لرئاسة الجمهورية (يعني كخة وهو يقرر من يصلح ولا يصلح والشعب في غيابة!) ثم انتقل إلى بيروت فكان صديق "كميل شمعون" الحميم وصرف له الأموال من أجل الانتخابات النيابية سنة 57 (هذه هي الديموقراطية الأمريكية في الشرق الأوسخ!) وامتد نشاطه إلى تركيا وبعض العواصم الأوربية، وخصوصاً لندن وروما كما عمل في الكونغو أيام لومومبا (لومومبا ثائر من أصدقاء ناصر!) وكان شاهداً على إخفاق السياسة الأمريكية في كل مكان.
وبعد تقاعده كتب هذا الكتاب معتبراً جميع الخطط الأمريكية أشبه بحبال من رمل. وليس ما في الكتاب كل الحقيقة (بطبيعة الحال!).
ثم أعاد زكار أن الولايات المتحدة جندت لحسابها غالبية حكام العرب، لكنها أخفقت في سوريا (!!)، وخصوصاً في مؤامرتها على حزب البعث(!!)، ونتيجة لذلك (تعطلت!!) مشاريع إسرائيل (وتعطلت..!) ومشاريع شركات البترول وزال الوجود الاستعماري الغربي من البلاد العربية (يا رجّال لطفها شوي!) ونواصل مع حبال من رمال فهو مهم..
مشكور اخي على النقل والله افدتني بمعلومات قيمه جدا هذا بالنسبه للقسم الاول
اما القسم الثاني فلا اتفق مع مؤلفه ان حزب البعث اسستعصى على الامريكان وقد يكون كاتبه من اتباع هذا الحزب الذي ما فتأ يقتل الابرياء في سوريا حسبنا الله ونعم الوكيل ... ولا ننسى مجزرة حماة التي نفذها حافظ واخوه ...
ما أجمل ما نقلت لنا ... علَّ كثيرين يمرون هنا ويستشعرون بوجهة نظر صاحب المقال ... لغة لو عرف مستسهلوها مصيبة استسهالهم لها ولأمرها لسكتوا دهوراً دون أن ينطقوا
بارك الله فيك يا محسيري ...على هذا النقل ...
الدكتور احمد نوفل يحمل من الثقافة و العلم و الكثير و الكثير ..بفضل الله ...
لا اعتقد انه يدافع عن نظام البعث ...بقدر انه يبحث بفشل ما للغزو الغربي ..بوجود الممانعة ...