:: عباس ،، الوداع الأخير :: - :: عباس ،، الوداع الأخير :: - :: عباس ،، الوداع الأخير :: - :: عباس ،، الوداع الأخير :: - :: عباس ،، الوداع الأخير ::
عباس،،الوداع الأخير
غيرت نار الطفولة بعضا من ملامح وجهه ، وسرقه دخانها الأسود ، ذهبنا به إلى المشفى ضاحكا وكأن الحريق شب في قصفات الحشائش خلف الدار ، وعدنا به في أغطيته يوم كان وليدا ولكن هذه المرة كانت بحجم مرارة استنشاقه لذلك السارق الأسود ، هذه المرة كانت اللحظة الأخيرة قبل أن يواريه أبوه التراب بذات اليدين اللتين كانتا أرجوحة له ذات يوم..
أعرف أنني لم أشاهد مكان نومه ، ولكنني أرى تلك الوسادة التي كان يتقاسمها مع سهل ، أراها وهي تسلب أحلامه وحده ، وآخر ما تبقى من أنفاس كان يشاركها أمه وأباه .
عباس ، ذلك الومضة التي كانت تحلق في سماء البيت ، في سماء الحي ، بين وريدات جورية ، وعلى أغصان الياسمينة ذاتها معشوقة أمي ..
عباس ، يشبه الحب ويشبه العشق ، هو مجبول منهما ، ويكأننا لم نشعر بهما إلا عندما غطت كل تفاصيله مشاعرنا ووجداننا.. أشعر به الآن يتنقل كالطير من زهرة إلى زهرة ، مرفرفا بجناحيه ، ينتظر شيئا في عالم آخر.
رغم كل ما تحتويه الصورة من البراءة إلا أنها توجعني ، ويحزنني كثيرا أن تكون وجهة النظر الأخيرة من خلالها.
قليلون من جاؤوا ليرونه عندما ظهر تحت ظل شجرة السرو ، ولكنهم كثيرون من وصلوا متأخرين ليودعوه .وكن على يقين بأنهم جاؤوا يحمل كل واحد منهم نسخة محبة لك في قلبه.
عباس ، ودعتك كثيرا قبل الرحيل ، لكنني لم أقو على أن أودّعك الوداع الأخير..