اليوم توزيع المؤن
الفترة المسائية
الصباحية دهبية والمسائية نورية
هكذا يصرخ طلبة مدرسة الوكالة في المخيم
هذا اليوم طويل ومتعب
أقف على الدور في الطابور الطويل
أساق من غير حول ولا قوة عبر دهاليز وممرات وزقق ومنحنيات
كل شيء في الممر جميل
نظرات الواقفين بعضهم إلى بعض
مداعبات الكبار للصغار
وهمهمات الشيوخ والعجائز
كرت المؤن بيد
والأخرى تحمل كيسا كبيرا من الخيش
مطويًّا بيدِالأم الخبيرة
في داخله أكياس صغيرة من القماش المنصوري الأبيض
كيس الخيش الكبير معقود بشبرة خضراء
شبرة لشعر مكور وملفوف للأخت الصغرى
نسيتها على عتبة الدار
هات الكرت من يدك أيها الصغير يقول الكاتب
كم نفرا يا ولد
ثلاثة أنفار
لا أدري لماذا ثلاثة ونحن في البيت ستة، أسأل نفسي
ليس مهما
المهم أن ننتهي .. جرس المدرسة يقرع قريبا
ولا أريد أن أقضي يومي وأنا أنفخ في كفيَّ المحمرتين من عصا المدير
الصف الثاني د
صف الشاطرين .. الثاني على الصف، وكابتن فريق القدم ..ما أسعدني بنفسي
فخور بي وفخور بمدرستي
وصل دوري والحمد لله
كثير من الطحين في كيس أبيض
سمن في كيس نايلون
سكر في الكيس الأبيض الأول
وأرز في الثاني
وعلب لحم " بولوبيف"
كم أحبها حينما آكلها نيئة حاف من غير خبز
يا الله كم الحمل ثقيل
لم تأخرت؟ تسأل أختي المنتظرة خارجا عند الباب من الجهة الأخرى للمؤن
الناس كثر
والمكان مظلم
تخيط امرأة كيس الطحين الصغير
تطلب صاعا من الطحين أجرا
وصاحب الحمار يحمل المؤونة كلها على ظهر المسكين
عشرة قروش من باب المؤن إلى باب البيت
ماشي
أسكن في شارع 27 العلوي
المكان قريب
المؤن في شارع 25 السفلي
مقابل النادي
الحمل صار في البيت
لا يكفي الوقت لغسل اليدين
ولا لشرب قليل من الماء
يكاد يقرع جرس المسائية
شعرك أشعث أغبر يا ولد
كنت أستلم المؤن
يكتب المعلم على السبورة بطبشور أبيض
اليوم : الثلاثاء
التاريخ: 1-4- 1975
درس التعبير
العنوان
هنا فلسطين
أنت ترسم ملامح أمي ، وتحكي قصتي في ذات الوقت ، ترسم كل ملمح من ملامح وجوه الفلسطينيات الصابرات اللواتي لم يؤلن جهدا في توفير خريطة القمح لأولادهن ،، تحكي قصص كل أطفالهن الذين رافقوهن إلى مراكز التموين .. إلى منبع الجوع والقهر ..
من أنت ؟ !! وما كل هذا الألم الذي تأتينا به يوما عن يوم ؟!!..
أرى في نصك بل فيك كل ما يمكن أن أتخيله من وجع أصاب فلسطين ، كل فلسطين ، داخلها وخارجها ، وحتى من يبعد عنها ملايين الكيلومترات التي تصل إلى ما لا نهاية ..
همسة
"ألم أقل لك من قبل إنك عظيم ؟!! والله إنك لعظيم بكل ما فيك "
اي الم واي وجع الذي رسمه قلمك هنا
نتزاحم في الصفوف نمد ايدينا بهوية اللجوء ليعطينا ما يبقينا على قيد الحياة بشيء من الكرامة
حقيقة لم اعايش هذا المشهد سوى مرة واحدة كانت كافية لتخليد الألم والقهر الى الأبد
أنت ترسم ملامح أمي ، وتحكي قصتي في ذات الوقت ، ترسم كل ملمح من ملامح وجوه الفلسطينيات الصابرات اللواتي لم يؤلن جهدا في توفير خريطة القمح لأولادهن ،، تحكي قصص كل أطفالهن الذين رافقوهن إلى مراكز التموين .. إلى منبع الجوع والقهر ..
من أنت ؟ !! وما كل هذا الألم الذي تأتينا به يوما عن يوم ؟!!..
أرى في نصك بل فيك كل ما يمكن أن أتخيله من وجع أصاب فلسطين ، كل فلسطين ، داخلها وخارجها ، وحتى من يبعد عنها ملايين الكيلومترات التي تصل إلى ما لا نهاية ..
همسة
"ألم أقل لك من قبل إنك عظيم ؟!! والله إنك لعظيم بكل ما فيك "
يوم استلام المؤن من الوكالة كان يوما عصيبا لكنه كان جميلا
استلام المؤن علمني الاعتماد على النفس والصبر والرجولة والتوكل على الله
الهجرة زادتنا قوة على قوتنا
الفلسطيني لو ظل بفلسطين كان صارت فلسطين من أحسن الدول وأقواها وأغناها
كنا قدنا العالم وحولناه جنات وبساتين
ولكنه قدر الله ونحن صنيعة قدر الله عز وجل
شكرا لك حسن
دائما تشعرني بالحياء حين تنعتني بصفات أجد مقاسها كبيرا عليّ
اي الم واي وجع الذي رسمه قلمك هنا
نتزاحم في الصفوف نمد ايدينا بهوية اللجوء ليعطينا ما يبقينا على قيد الحياة بشيء من الكرامة
حقيقة لم اعايش هذا المشهد سوى مرة واحدة كانت كافية لتخليد الألم والقهر الى الأبد
كرت المؤن والمخيم واللجوء ومفتاح الدار وخارطة لفلسطين منسوجة على الحائط
كلها معا تحكي قصة ألمنا واشتياقنا وعودتنا إن شاء الله
لا أعلم ما السبب أبداً!!!!
رواد هذا القسم ومنذ فترة معظمهم إن لم يكونوا جميعهم باتوا يحترفون القتل وزرع القهر والألم لكل من يمر بين حروفهم...غريب أمركم...وكأنكم تقرأون الأفكار وتعلمون ضعف النفوس وقهرها متى يكون وأين مكانه
ولله إن لوقع كلماتك على صدري لهيب النار ..أشعلتها حروفك وأججتها كلماتك..
آهٍ يا فلسطين وآهٍ وألف آه كم من الأحمال الثقيلة كانت على ظهر الفلسطيني ...أحمال مثقلة بالهموم والوجع وما زالت
في كف كلٍ منا توجد حكايات وفي عيني كل فلسطيني توجد نظرة بعيدة قريبة ...أما نظرة الحزن والوجع فستراها في قلب كل واحد منهم..والحسرة كانت ومازالت تُشعل القلوب على ما ضاع ..لا بل على ما أضاعوه من تآمروا على كل جسد فلسطيني..
أما أنت يا ياسر ...فقد تجاوزت كل الألقاب بما كتبت اليوم..وسأبحث لك عما يليق بحرفك..هذا إن وجدت ..لكنك بلا شك تجيد العزف على الهموم وبارع في استخراج الآهات ولئيم في إشعال النيران التي لم ولن تخمد في أي لحظة..
اسمح لي أبا محمد أن أشارك برد لصديق على موضوعك ، وهو بالمناسبة من المتابعين للكتابات هنا عن طريقي...
أطرح بين أذهانكم رده كما وصلني :
"يا أخي إنتَ ليش هيك ؟
أعجبُ من إصرارك على مناكفتي !!!
بفراسة منقطعة النظير ... تعلمُ ما يوجعني .. ويقضُ مضجعي ..
بعد قراءتي لكل رصاصة ( مقالة ) تبعثها .. أدعو الله لك بالمغفرة ...
سامحك الله يا سوا...... حملتني هذا المساء إلى ذلك المرتفع ( جبل الجوفة ) المطل على وادٍ يقالُ له ( وادي الرمم (
هكذا يسمونه - صار الشهداء رمم -!!!!!
صابونة النعامة - النيلة الزرقاء - لقن الحمّام - ظروف الورق المخصصة للسكر - شوال الطحين أبو خط أحمر - الشاش الملطخ بالدم - صاع القمح الذي كانوا يصنعون منه لنا السليقة - الثوب المطرز بآخر معاني الكرامة .. شبشب البلاستيك المخيط من جهة إصبع القدم المجروح - حبات العرق على الجبين الذي يشرّف كل الأمة - الخرقة البيضاء - خيط الصوف المربوط على معصم اليد اليمنى - والعينان الهرمتان اللتان أنهكهما الذل والمهانة والتشرد والنزوح وغياب الزوج وموت الابن الأوسط وكثرة الهموم والعيال - وفوق كل هذا : قلبٌ ذبلت حشيشته وهي عروس ..
كللللللللللل هذا يا ياسر .. كان يحمله ذلك (البيكأب) الأزرق المخطوط عليه من الخلف تحت كلمة ( نيسان ) الرزق على الله .. بالرغم من صدأ بابه الخلفي .. والنمرة المتدلية من جهة ومربوطة من الأخرى بسلك تربيط .. كان يحملها جالسةً فوق كيس الطحين .. من عند البادية في المصدار إلى سحاب ب 35 قرش ..
كنتُ طفلا ( وليتني لم أكبر ) اسمع راديو ذلك (البيكأب) الهرم .. يغني : وسلامي لكم .. وسلامي لكم .. يا أهل الأرض المحتلة ... وجايبلي سلام ع ظهور الحمام .......
ترى لماذا يا صديقي كانوا يوزعون المؤن بجانب البادية وحرس الحدود في الوحدات .... ؟!
يا ميمتي ناولني كاسة مية ( تعابانة )
أقسم لك إني كنت أركض لعند الزير وأناولها (طاسة المي ...(
أخرى وأخرى وأخرى ... سامحك الله وغفر لك ..
هناك فلسطين"
أنا عاجز تماما الآن عن التعبير في درس التعبير هذا ,,, هي رائعة من روائعك ,,, هي وجع من أوجاعك ,,,
هي حاضرة تماما تلك الطقوس كما حروفك الآن أمامي ,,, أستطيع أن أتذكر تماما ( ستي ) عندما كانت تعقد ثوبها ,,, وتعض بنواجذها على خرقتها وتمضي قدما ,,, إلا أن ذاكرتي أصابها العطب ,,, لم أستطع استحضار طقوس المؤن في الشتاء ,,, فقد أدمنتها ربيعا ,,, أو صيفا ,,, لربما طقوس الشتاء أزالها الشتاء !!!
بدي احكيلك انك رجعتني لهذه الايام ,,, لانني عملت في المؤن و الطحين والزيت وكياس الحليب وعلب السردين وعلب اللحمة وكوبونات الاضاحي ... انا ابي كان تاجر مؤن ... عاشرت كل ما وصفت ...لكنك أوجعت أكثر فاعدت بي الى ذاكرة تبكيني من الشجن وتحتل عاطفتي ... الله يرحمك يابا ,,,
بدي احكيلك انك رجعتني لهذه الايام ,,, لانني عملت في المؤن و الطحين والزيت وكياس الحليب وعلب السردين وعلب اللحمة وكوبونات الاضاحي ... انا ابي كان تاجر مؤن ... عاشرت كل ما وصفت ...لكنك أوجعت أكثر فاعدت بي الى ذاكرة تبكيني من الشجن وتحتل عاطفتي ... الله يرحمك يابا ,,,
عليه الرحمة الواسعة في جنات عدن غن شاء الله
بدي أقول وين شايفك ؟
أتاريك مؤنجي يا مسخم
هات علب السردين يلي نتشتها مني هات