لعل قصيدة الشاعر كنعان عبد الله في الشهيد عماد عقل نستطيع أن نستنطقها من عنوانها فـ ( مراثي الكبار ) اسم متميز لرثاء مجاهد من نوعية عماد عقل مع أن قناعتي المتواضعة أن الرثاء الحقيقي يجب أن يكون علينا نحن الأحياء أما للشهداء " فلتنطلق أحلى زغاريد النساء " كما قال شاعر آخر ، الأبيات سلسة وعذبة تتناسب في صورها مع الحديث الموجه للشهيد ..حديث الشوق والألم على الفراق ووجع الرحيل الذي ما كان له أن يكون مثلما يقول الشاعر، خاصة أن عتابه يمتد ليعاتب حماس التي أغرته بالرحيل إلى الجنان :
لم تثنك البنادق الشدادْ
ما فت في العزيمة والتوقيع والطرادْ
ما نال منها البرد أو وعورة النجادْ
لكنني – في الحق – يا عمادْ
معاتب وغاضب...
حديث الشوق الألم على الفراق ووجع الرحيل الذي ما كان له أن يكون مثلما يقول الشاعر خاصة أن عتابه يمتد ليعاتب حماس التي أغرته بالرحيل إلى الجنان :
أهكذا حماس علمتك يا عمادْ؟
أهكذا تدير عنا وجهك النحيلْ؟
ترفعاً، كأننا والرجس من قبيلْ؟
وفيم يا عماد؟
وفيم لا تطيل ...مكوثك الجميل؟
وفيم يا صديقنا...عجلت بالرحيل؟
ولعل أجمل ما في القصيدة ذلك الختام الذي يقر فيه الشاعر برحيل من أحب ..بل إنه ينتصر للدم الذي انسكب على درب النبي محمد عليه السلام وصحبه الكرام ، إنه ينتقل من حالة الوجع والأنات إلى حث الشهيد على الرحيل ليلقى الأحبة!!! فلإن غادر ساحات الجهاد فإن الجماهير ستقوم على دربه ليأتي من بعده ألف شهيد ، ويوقدون من دمائه ألف شعله :
يا راحلاً عنّا...
ووهج الشوقِ في عينيه فُلّة
لمحمد ..للصحب للشهداء حولهْ
يا ناشراً..
ما بين وجه الأرض و الآفاق ظلّهْ
ومُفارقاً...
ما ودّع الأحباب لكنْ..أودع الزيتون قبلهْ
ومُصلياً لله مثنى
قبل أن يسرج خيلهْ
شد الرحال عماد عقلٍ
طاب الاستشهاد رحلهْ
قسماً ... سنوقدُ من دمائك ألف عقلٍ
ألف شعلة!!
ومع تواصل حلقات العطاء والبذل التي تجاوزت الحجر بكثير، تواصل غناء الشعراء يحكي عن هذا المجد المتدفق بلا انقطاع يغمرُ الوجدان بالبسمة رغم مرارة الوجع ويعيدها إلى خطاب رومانسي في ثياب "الواقعية" وهذا ما كان مع الشاعر ماهر عبد الله في رثائه للعياش يحيى.. "مضاء السيف وزفة البسمة ":
لأجمل وردةٍ فينا
لأجمل غصنِ زيتونٍ
يرفُّ على روابينا
ليحيى سيد الأحباب
عادت أرضنا بِكراً ليملأها رياحينا
وهو رثاء يتجاوز الغٌصَّة ويتحامل على الدموع وألم الفراق كيف لا والشهيد لم يغادر !!
ستبقى حاضراً فينا
ستبقى عينُكَ السمراء
وحياً في مآقينا ، وتبقى خيلُك البيضاء
ميلاداً لحاضرنا
وأشعاراً لماضينا
ثم هو يوقع ترانيمه على حد السيف بفدائه ، لأنه ظل يهفو لرسم البسمة على شفاه الحلم المقدسي:
لأنَّك صرتَ زيتَ الرُّوحِ في العتمة
وتجدُل من يديكَ الرِّيح والرحمة
وتزرعُ في حنايا القلبِ
شكلَ السَّيفِ والبَسمة
تحولات الفتى قبل الانفجار بدقائق!!! هذا هو عنوان قصيدة الأديب ياسر الزعاترة ، وهو كغيره من الشعراء الذين أذهلتهم تلك الأرواح التي تنزع الفتيل لتتناثر شظايا في جسد ليل الاحتلال وتصير أنوارا في قلوب الباحثين عن صباح لهذا الوطن...إنها رحلة سفر شعرية أخرى تحلق في ذلك الاستشهادي الذي أعاد الحياة إلى القصائد فاخضرت من بعد يباس :
ومضى..
شمسُ البلاد تسيل في عينيه شهدا
كلُّ المدائن شرعت تاريخها الدموي
كي يكفي ليكبر الانفجارْ
(صبرا) تجيء على جناحي طفلة بتروا يديها
كي تلقنه الشهادة
كل الطيور كسرن ميعاد الولادة
كي يباركن القرارْ
يا مسرجو أقلامهم لصهيل صوتي
خبئوا الأقلامْ
فوصية الشهداء واحدة وما دمي
سوى نبض لحرف في وصيتهم
ومن بعدي سيكتمل المسارْ
***
الاستشهادي ...صورة مرعبة وفاتنة في آن واحد ، مرعبة في صدور عشاق الليل ، فاتنة في قلوب الظامئين لوجه الصباح ، هذه الصورة تتنقل بين معانيها في قصائد الشعراء ، ولذا فليس غريبا أن نجد شيئا من هذه المعاني عند الشاعر عبد الرحمن بارود ، يحكي على لسان الشهيد السعيد بعض ما قالته الأحداث إلى الأعداء ، وهو هنا يترك لخياله أن يحلق في الكلمات التي نطقت بها الشظايا ولم تنطق بها الشفاه وما أجمله من تعبير رقيق بكلمات سهلة لكنه يحمل في ثناياه الوعيد للمحتلين في تحية إلى أبطالنا الاستشهاديين :
أمُحرّقي بشواظ نارك خُذ نصيبَك من حريقي
دوّت رعودي القاصفاتُ عليكَ والتمعتْ بُروقي
خذ هذه الأقساط واخصمها من الدين العتيقِ
أنا صخرةٌ صمّاء من لهبٍ من القعر السحيقِ
سجّل لديك اسمي سعيدٌ والألوفُ على الطريقِ
**
ثم هو يعود بعد ذلك على لسان البطل يجدد العهد ، ويقبض بأياديه على الولاء للرصاص الذي ينطلق تحت راية الله العزيز ، لا يخاف من الردى وكيف يخاف والحياة والأجل قد سطر في الكتاب وحدده المولى عز وجل ....ثم هو من كتائب القسام التي لا تحيد عن حقها ولا تميد حتى لو مادت الجبال !!!
لا أستقيلُ ولا أقيلُ ، أقول ما قالَ الأسودُ
أنا في كنانةِ سيّد الثقلين صاروخٌ جديدُ
وعلى الزناد أصابعي فإذا انطلقت فلا أعودُ
لا ينقصُ الأجلُ المسطّر في الكتاب ولا يزيدُ
أنا من بني القسّام إن مادَ الجبال فلا أميدُ
***
الشاعر فريد سرسك يحمل نصل قلمه مدافعا عن الشهداء ...إنه يدافع عن حقهم في نيل الحرية والكرامة ..يدافع عن أحقيتهم في دفع الظلم ، من هنا انطلقت قصيدته ( لستَ بالإرهابي) كرصاص كثيف يصيب ألسنة من وصموا عمليات حماس الاستشهادية بالإرهاب ، وهنا يبرز دور الشعر الكبير في الدفاع عن قيم الجهاد ومعلني المقاومة ومكانة الشعر في المعركة.
إفهم عليّ
فلستَ إرهابي
إذا فجّرتَ وجهك في دفاترهم
إذا دافعتَ عن غرناطة الفرس الأخيرْ
ونثرتَ روحك في الشوارع كالعبيرْ
أسرجْ خيولك يا صغير السن
واخترق الصفوف فليس من يعطيك ’فيتو‘
يا صديقي غير ساعدك الصغيرْ
**
من بين الصور الجميلة المعبرة والمعاني الأصيلة من بين الموسيقى الداخلية البديعة يأتي دفاع الشاعر عن المقاومة مذكرا من نسي منهم بسجل الدم الذي كتبه المحتل بآهات شعبنا وأشلاء أبنائنا ، داعيا من كل من يسطر ملاحمه بالفداء أن لا ينثني عن درب الرصاص ...درب الحماس :
اختيار أكثر من رائع أخي الكريم ..وشيء مدهش حقاً ..شعراء أنطقوا الكلمة بحق !!
وكيف لا وهي بحق شهدائنا الأبرار أمثال عماد عقل ويحيى عياش ..وغيرهم ..
كنت أتمنى لو جزأت الموضوع لأكثر من مشاركة