في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين سافر محمد مهدي الجواهري إلى فلسطين لإلقاء بعض قصائده في الإذاعة الفلسطينية. ومن الطائرة تراءت له يافا وقد ظللتها السحب، فكتب هذه القصيدة، واختار لها هذا العنوان. وللعلم فإن كلمة يافا أو «يافو» الآرامية تعني «الجميلة».
بيافا يومَ حُطَّ الرٍكابُ
تمطَّر عارضٌ ودجا سحابُ
ولفَّ الغادة الحسناءَ ليل
مريبُ الخطوِ ليس به شهابُ
وأوسعها الرذاذ السحُّ لثماً
ففيها من تحرُّشِهِ اضطرابُ
ويافا والغيوم تطوف فيها
كحالمة يجللها اكتئابُ
وعاريةُ المحاسن مغريات
بكفِّ الغيمِ خِيطَ لها ثيابُ
كأن الجوّ بين الشمس تزهى
وبين الشمسِ غطّاها نقابُ
وموجُ البحرِ يغسل أخمصيها
وبالأنواءِ تغتسل القبابُ
فقلت وقد أُخذتُ بسحر يافا
وأتراب ليافا تُستطابُ
فلسطين ونعمَ الأمُّ هذي
بناتُك كلها خَوْدٌ كعابُ
أقلتني من الزوراء ريح
إلى يافا وحلّق بي عقاب
أرانا كيف يهفو النجم حباً
وكيف يغازل الشمسَ الضبابُ
فما هي غيرُ خاطرة وأخرى
وإلا وثبة ثم انصبابُ
ولاح اللد منبسطاً عليه
من الزهرات يانعة خِضابُ
نظرتُ بمقلة غطى عليها
من الدمع الضليل بها حجابُ
أحقاً بيننا اختلفت حدود
وما اختلف الطريق ولا الترابُ
ولا افترقت وجوهٌ عن وجوه
ولا الضاد الفصيح ولا الكتابُ
فيا داري إذا ضاقت ديار
ويا صحبي إذا قلّ الصحابُ
وما ضاق القريضُ به ستمحو
عواثره صدوركم الرحابُ
لئن حمَّ الوداعُ فضقتُ ذرعاً
به واشتفَّ مهجتي الذهابُ
فمن أهلي إلى أهلي رجوع
وعن وطني إلى وطني إيابُ