يحيي الفلسطينيون اليوم الذكرى الأولى لانتصار "حجارة السجيل" والتى لقنت خلالها المقاومة الفلسطينية دولة الاحتلال الإسرائيلي درسًا في الصمود وقوة المواجهة وتسجبل الانتصار.
وكانت قوات الاحتلال قد شنت حربًا على قطاع غزة، في 14 نوفمبر 2012، استهلتها باغتيال نائب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام أحمد الجعبري، الأمر الذي دفع المقاومة الفلسطينية للرد بعملية "حجارة السجيل".
وشكّلت الحرب الأخيرة التي استمرت ثمانية أيام، مفاجأة للمواطنين، الذين سرعان ما تشرّبوا الصدمة وتصدوا ببسالة للعدوان الإسرائيلي، الذي قابلته المقاومة الفلسطينية، ولاسيما كتائب القسام وسرايا القدس بقصف مدن فلسطينية محتلة لأول مرة، كالقدس، و(تل أبيب).
ارتكبت قوات الاحتلال خلال الحرب مجازر بحق عائلات بأكلمها، من بينها، مجزرة طالت عائلة الدلو عندما قامت بقصف منزلهم في اليوم الخامس من الحرب أدى إلى استشهاد 13 من أفراد العائلة، بالإضافة إلى المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق عائلة حجازي والتي راح ضحيتها 4 شهداء.
وأدت الحرب إلى استشهاد 191 مواطناً بينهم 47 طفلًا و12 امرأة و20 مسناً، وبلغ عدد الجرحى 1526 جريحًا، فيما أعلنت مصادر (إسرائيلية) مقتل 20 إسرائيليًّا بينهم 11 جنديًّا، وإصابة نحو 600 مستوطن، وإلحاق خسائر وأضرار مادية هائلة.
القسام يقصف في العمق
عسكرياً قامت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس"، وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي و لأول مرة، بقصف مدينتي القدس المحتلة و(تل أبيب) بصواريخ (M75) وصواريخ " فجر"، فضلاً عن قصف المستوطنات المحاذية لقطاع غزة بمئات من الصواريخ.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، شهدت الحرب انتصاراً دبلوماسياً كبيراً أثناء معركة "حجارة السجيل"، بوصول وفد رفيع المستوى من وزراء الخارجية والمسؤولين العرب لغزة تحت القصف.
وأمام صمود المقاومة الفلسطينية والتفاف الشعب الفلسطيني حولها، والدعم العربي والإسلامي الكبير، توقفت الحرب في اليوم الثامن برضوخ الاحتلال الإسرائيلي لشروط المقاومة الفلسطينية، التي ساندها الرئيس المصري محمد مرسي.
فلسطين أون لاين
عام مضى على حرب "حجارة السجيل"، تلك الحرب التي سيقف عندها التاريخ طويلًا؛ لأنها شهدت تحولات كبرى في طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، ورسخت لقواعد اشتباك جديدة، وفي ذكراها لابد من الوقوف على أهم التحولات الإستراتيجية التي رسختها حرب حجارة السجيل؛ فهناك خمس تحولات إستراتيجية ظهرت في قدرات المقاومة الفلسطينية وهي:
1- ضرب تل الربيع بصاروخي (75m) و(فجر5).
2- إطلاق صاروخ أرض جو باتجاه طائرة حربية من طراز (إف 16)، وإطلاق صاروخ (كورنيت) على بارجة بحرية.
3- إسقاط طائرة استطلاع في عملية تكنولوجية والحصول عليها.
4- القدرة الأمنية الخارقة في الحفاظ على صلابة الجبهة الداخلية وتماسكها.
5- المساهمة بوقف (سيناريو) توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران.
أولًا: ضرب تل الربيع بصاروخي (75m) و(فجر5):
استهداف كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس مدينة تل الربيع بصاروخي (75m) و(فجر5) هو التحول الأبرز والأكثر إيلامًا للحكومة الصهيونية؛ كون تل الربيع تمثل صمام الأمان للجبهة الداخلية، ولأن أكثر من ثلاثة ملايين صهيوني أصبحوا في مرمى النار، وعملية ضرب تل الربيع والمدن المجاورة لحدود غزة تسببت في عملية نزوح جماعي نحو شمال فلسطين، تجاوز عدد النازحين فيها نصف مليون إسرائيلي، وهذا لم تكن الجبهة الداخلية الصهيونية تتوقع حدوثه، فلم تضع خطة للاستيعاب، إضافة إلى عدم التجانس المجتمعي بين النازحين وسكان الشمال والوسط.
ثانيًا: إطلاق صاروخ "أرض جو" باتجاه طائرة حربية من طراز (إف 16)، وإطلاق صاروخ (كورنيت) على بارجة بحرية:
ترتكز قوة جيش الاحتلال على ركيزتين، هما: القوة الجوية والقوة البحرية، ويشكل إطلاق كتائب القسام صاروخ "أرض جو" على طائرة حربية من نوع (إف 16) تهديدًا مباشرًا للقوة الجوية، وقدرتها على العمل في أجواء قطاع غزة المحرر، وربما ما يخشاه الاحتلال هو تمكن المقاومة من إسقاط طائرة مقاتلة، وأسر الطيار الذي يقودها، وهذا سيكون بمنزلة زلزال سياسي سيهز الكيان العبري، وسيقضي على مستقبل نتانياهو، وسنكون أمام مشهد صفقة جديدة لتبادل الأسرى قد تقضي على إنجاز الاحتلال في اغتيال الجعبري؛ لأن من يقود عملية المفاوضات وإدارة الصفقة الجديدة هو فكر أحمد الجعبري الذي يحمله تلاميذه الذين تخرجوا في مدرسة الجعبري للعلوم الأمنية والعسكرية.
أما قصف القسام للبارجة البحرية وقتل من كان على متنها فسيقوض إلى حد بعيد القوة البحرية، وهذا بات واضحًا في بحر غزة، حيث تغيب البوارج البحرية عن الأنظار، بعد أن كانت تقترب من شواطئ غزة وقتما تشاء.
ثالثًا: إسقاط طائرة استطلاع في عملية تكنولوجية والحصول عليها:
تمكن الجناح المسلح لحركة حماس كتائب الشهيد عز الدين القسام من إسقاط طائرة استطلاع باختراق منظومتها، والسيطرة عليها؛ يشكل ضربة إستراتيجية للصناعات العسكرية الصهيونية، التي لطالما تباهت في قدرة تلك الطائرات، ولذلك قد تلغي العديد من الدول صفقاتها مع الاحتلال لشراء هذا الأنموذج من الطائرات، وهذا سينعكس على الاقتصاد الصهيوني، الذي وصلت خسائره في الساعات الأولى لعدوانه إلى ثلاثة مليارات شيكل.
رابعًا: القدرة الأمنية الخارقة في الحفاظ على صلابة الجبهة الداخلية وتماسكها:
نجحت الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الفلسطينية بقطاع غزة تساندها أجهزة استخبارات فصائل المقاومة في الحفاظ على صلابة، ووحدة الجبهة الداخلية من أي اختراقات صهيونية، وصولًا إلى ضبط أسواق القطاع، والحفاظ عليها من أي عمليات احتكار لبعض التجار الذين يستغلون مثل تلك الظروف.
خامسًا :المساهمة بوقف (سيناريو) توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران:
ما قبل حرب حجارة السجيل نشرت العديد من وسائل الإعلام الصهيونية معلومات عن اتخاذ الكيان العبري قرار الحرب على مشروع إيران النووي، ولو نجح الكيان في حرب حجارة السجيل حسب (السيناريو) المتوقع، والمتمثل باغتيال الجعبري ثم الوصول إلى تهدئة فورية مع حماس؛ لدخل قرار الحرب على إيران حيز التنفيذ، ولكن جاء رد المقاومة ليخلط أوراق المطبخ السياسي والعسكري الصهيوني، إذ عكست الحرب هشاشة القدرة العسكرية الدفاعية والجبهة الداخلية، وفشل منظومة القبة الحديدية، وكان هذا مع قدرات قطاع غزة المتواضعة؛ فماذا لو كانت الردود من إيران؟!
خلاصة القول: من أبرز الرسائل التي تحملها تلك الحرب المجيدة هو أن قطاع غزة البوابة الأولى للدفاع عن الأمن القومي العربي والإسلامي، وأن زيادة الدعم لفصائل المقاومة الفلسطينية تمثل مصلحة إستراتيجية لتلك الدول.
السبيل
أكد رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل الشيخ رائد صلاح أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بددت خلال معركة "حجارة السجيل" قوة الردع التي كان يدعيها الاحتلال الإسرائيلي، ويُوهم العالم فيها.
وقال الشيخ صلاح في تصريح خاص لوكالة "صفا" في الذكرى الأولى لمعركة "حجارة السجيل" إن" المعركة أكدت أن قوة الردع الإسرائيلية ليست كما كان الاحتلال يُوهم العالم فيها، ويتحدث عنها كأنه صاحب القضية التي يجب أن تُخيف وتُرعب وتُخرس الجميع، فقد ثبت في تلك المعركة أن المقاومة بغزة قد بددت هذا الوهم".
وأضاف أن هذه المعركة عكست مدى هشاشة ما يسمى "بالعمق الاستراتيجي الإسرائيلي"، نظرًا لأن الارتباك والفوضى عمت قطاع واسع من المجتمع الإسرائيلي امتد حتى حدود "تل أبيب".
وأوضح أن هذا يُعني أن" المشروع الصهيوني الذي كان يتحدث طوال الوقت عن قداسته، ويُحافظ عليه أثبت المعركة أنه شعار لا رصيد له في الواقع".
وأشار إلى أن" المعركة كسرت عامل الخوف الذي حاولت أبواق المشروع الصهيوني أن تحوله إلى فزاعة في مسيرة العالم الإسلامي والعربي".
بارقة أمل
ووجّه الشيخ صلاح رسالة لأهالي غزة بعد عام على الحرب، قائلًا: "عليكم أن تبقوا النموذج الحر والكريم الذي يحفظ عزة مسيرة الشعب الفلسطيني بعيدًا عن الرضوخ لأية إملاءات بأي دافع كان سواء ماليًا أو من الحصار والترهيب".
وشدد على أن غزة الآن ليست ذات رسالة محلية على صعيدها أو على صعيد الشعب الفلسطيني أو العالم العربي، بل أصبحت رسالة أممية لكل العالم.
وتابع أن "غزة تُعطي نموذجًا لهذا الحق الذي يؤمن بذاته وينتصر على الباطل، فتاريخها طويل، وهي نقطة ضوء وبارقة أمل في مسيرة التاريخ الإسلامي والعربي تُجدد الهمم، وتُحقق الانتصارات أمام قوى الاحتلال والاستعمار".
وحول انعكاس صمود المقاومة على فلسطينيي الداخل، قال الشيخ صلاح إن انتصار المقاومة يبعث الأمل، ويجدد المعنويات ليس فقط لفلسطينيي الداخل، بل في نفوس كل المظلومين في الأرض.
وأضاف أن المقاومة بهذا الانتصار تقول للمظلوم "لا تنكسر ولا تتنازل عن حقك خوفًا من الظالم، اصبر وصابر وأنت المنتصر على هذا الظالم ولو بعد حين"، مؤكدًا على الانجاز الرفيع والشامخ الذي حققته المقاومة خلال المعركة.
وشدد على أن قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك تحتاج إلى جهود كل الأمة الإسلامية والعالم العربي، بالإضافة لجهود المقاومة من أجل نصرتهما.
وتابع "لكن ريثما يتحقق هذا الأمر اليقيني فإن المقاومة في غزة ستبقى تؤكد للقاصي والداني أن هناك إرادة فلسطينية مقاومة ترفض الاحتلال والاعتراف به، وتشدد على بطلانه وحتمية زواله"، هذا هو الخطاب الذي يجب الحفاظ عليه طوال الوقت ما دام قائمًا لأن الهمة المطلوبة في العمق العربي والإسلامي ستتحد حوله.
(صفا)
على وقع الذكرى السنوية الأولى لانتصار المقاومة الفلسطينية على المحتل الصهيوني في حرب "حجارة السجيل"، وما تخللها وتبعها من إنجازات حققتها فصائل المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام، مرت الذكرى السنوية السادسة والسبعين لاستشهاد الشيخ المجاهد عز الدين القسام.
الشيخ السوري، الذي حمل همّ القضية الفلسطينية، ودافع عنها بكل ما أوتي من قوة، ليس ذلك فحسب، بل قدّم روحه ثمنًا لذلك، حمل رايته رجالٌ فلسطينيون تأثروا بسيرته ومقاومته، ليضيفوا إلى التاريخ أمجادًا وبطولات لذات الاسم الذي اقتفوا أثر جهاده.
وبعد ثلاثة أرباع القرن، وفي التاسع عشر من تشرين ثاني نوفمبر الماضي، وفي اليوم الذي حمّل ذكرى رحيل القسام كانت عشرات الصواريخ تدك القدس وعسقلان و"تل أبيب" وهي تحمل اسمه على عبواتها المتفجرة، لقد صدق الشيخ وعده ولم يسلم المحتل من نار القسام بعد سنين على استشهاده.
وفيما راح التاريخ يعيد نفسه، استرجع جنود العقيدة في غزة صرخة القسام يوم دوت في أحراش يعبد أن "موتوا شهداء"، وكأنه كان يومها يدرك أن من خلف وراءه قضيةً ما مات.
الثائر المخلص
وُلد الشيخ الشهيد عز الدين القسام في بلدة جبلة السورية بريف اللاذقية سنة 1882، حيث تلقى تعليمه الأولي فيها، ليرحل بعدها إلى القاهرة ويلتحق بالأزهر ويتتلمذ على يدي الشيخ محمد عبده ويعود إلى بلدته بشهادته، ليحل محل أبيه الذي كان يملك كُتّابا لتحفيظ القرآن الكريم.
بدأ الشهيد القسام نشاطاته الثورية بالتضامن مع الثورة الليبية، إبان الاحتلال الإيطالي لليبيا عام 1911، حيث قاد المظاهرات المنددة بالاحتلال الإيطالي لليبيا، ليتطور عمله بعد ذلك في تجنيد المتطوعين وجمع التبرعات لإسناد الثوار الليبيين، حتى سافر إلى ليبيا وقابل هناك الشهيد عمر المختار، ليتعاهدا على مقاومة الاحتلال الأجنبي.
ورفع الشهيد راية الجهاد في الساحل السوري، حينما اشتعلت الثورة في سوريا ضد الفرنسيين، وكانت تلك ثاني محطاته في مقاومة المحتلين، فكان في مقدمة من حملوا السلاح بثورة جبال صهيون.
وبعدما فشل الفرنسيون في ترويضه بعرضهم تسليمه القضاء والإفتاء في سوريا، وهو ما رفضه الشهيد، حكموا عليه بالإعدام خلال محكمة غيابية، ما أدى به إلى الهجرة نحو فلسطين، ليصل حيفا عام 1921، ولتلحق به أسرته.
ورغم ما أصاب القسام في سوريا، بدأ بعد أن استقر في حيفا، باستعادة نشاطه الجهادي والدعوي، حيث عمل مدرسًا وخطيبًا ومأذونًا.
تميز الشيخ القسام بقدرته على التنظيم والإدارة، حيث شكّل مجموعات متخصصة، كمجموعات الدعوة، والاتصالات السياسية، والعمل العسكري، والمعلومات والمخابرات، فيما كان لدى كل مجموعة اكتفاءً ذاتيا بما تحتاجه من أموال ونفقات.
ومع بدء قطف الثمر بتزايد عدد العمليات السرية التي شنتها مجموعات الشيخ الشهيد، من اغتيال للجنود الإنجليز، واستهداف معسكرات الجيش البريطاني، وتصفية العملاء، أعلن القسام عام 1935 الثورة على المحتل الإنجليزي، فخرج مع أحد عشر مجاهدًا إلى أحراش يعبد بجنين، لحث الفلسطينيين على الجهاد العلني.
وسارع الإنجليز إلى الانقضاض على القسام ورفاقه، فأرسلوا تعزيزات عسكرية إلى يعبد، وبعد أن رفض القسام ورجاله تسليم أنفسهم، دارت معركة لمدة ست ساعات، قتل المجاهدون على إثرها خمسة عشر جنديًا بريطانيا، واستشهد القسام واثنين من رفاقه وهو يردد: "يا رفاقي موتوا شهداء".
وفاءُ رجال القسام
ربما لم تُعطى الذكرى السنوية لاستشهاد القسام قدرها ومكانتها التي تستحق كل عام، إلا أن رجالًا شربوا من نبع القسام، فحملوا اسمه ورايته، نجدهم في كل يوم يحييون ذكرى شيخهم الثائر، بالإعداد والتجهيز والتطوير السري، وما ينتج عنه من انتصارات ونجاحات علنية.
وتبقى راية الجهاد التي رفعها القسام في ليبيا، مرورًا بسوريا، واستقرارًا بفلسطين، مرفوعة بعلوٍ وكبرياء، لتؤكد بقاء رجاله على ذات الشوكة.
وليس ببعيد عن ذكرى حرب حجارة السجيل، واستشهاد الشيخ عز الدين القسام، ينتظر المجاهدون بفارغ الصبر ذكرى انطلاقة حركة حماس .. لتجديد البيعة.