في ذكرى استشهاد صدام حسين - في ذكرى استشهاد صدام حسين - في ذكرى استشهاد صدام حسين - في ذكرى استشهاد صدام حسين - في ذكرى استشهاد صدام حسين
في ذكرى استشهاد صدام حسين
ناجي علوش - كاتب وباحث وشاعر - الأردن
ماذا يقول مواطن مثلي في ذكرى استشهاد الرئيس صدام حسين؟ إن الجو الذي أحاط بشن الحرب على العراق واعتقال صدام وإعدامه جو مكهرب موبوء.
وقد حرص الذين يحاربون صدام على تعبئة الجو بالأكاذيب والافتراءات، وعلى إحاطة المعركة إحاطة كاملة بافتراءاتهم وأكاذيبهم. فهو "دكتاتور" و"النظام العراقي فاشستي"، و"المعركة بين الخير والشر"، وهكذا قام مديرو المعركة الأقارب والأجانب باحتضان البرنامج الأمريكي المعادي للأمة وتغطيته ومحاولة تمريره على الجماهير وتكريس الإمبريالية الأمريكية قوة حليفة وصديقة ومؤازرة لفعل الخير وطرد قوى الشر وعلى رأسها صدام، وصار بوش الابن حليفاً ومعيناً والCIA أداة مرغوبة محبوبة ومُدافع عنها.
وغطيت الحملة الشاملة وجواسيسها ومخططوها تغطية كاملة. وتوقف أي نقد للإمبريالية الأمريكية وسياساتها واشتركت إيران في تغطية الشيطان الأكبر وقبول التحالف معه "لإنجاز العملية". وأسقطت الضوابط والموانع الوطنية في التعامل مع الطرف الأمريكي، وشاركت بذلك منظمات وأحزاب وقوى مختلفة.
وصارت المشكلة كلها تتلخص في أن "صدام دكتاتور"، و"أنه جزار"، وأنه "بنى قصوراً" و"سلب الشعب إرادته"، و"قسى وتجبر". ولم يناقش هؤلاء مضامين معركة العدو الأمريكي، ولماذا ها النهوض الشعبي العربي ضد المعركة المصطنعة حول شخصية صدام.!!!
إن تحديد طبيعة المعركة وحقيقة أهدافها يجلو كل ما حاول الأعداء أن يلصقوه بها وبقائدها، وهذا الجلاء ضروري لإسقاط الأكاذيب والافتراءات، وإظهار المعركة على حقيقتها، وإبراز قائدها على حقيقته وتبيان المضمون القومي للمعركة والطابع الثوري لها.
كان صدام يعرف كل ذلك، كما يعرف عن الاتصالات مع الCIA، وكان صدام يراقب ويحاول أن يحبط الاتصالات ويستعد للمواجهة القادمة، ولم يكن خائفاً ولا متردداً، بل واصل نهجه وطريقته، واتخذ خطوتين قبل بدء الهجوم الكبير:
الأولى: رفع شعار "الله أكبر".
الثانية: الإعداد إذا دخل المحتلون لمواجهتهم بحرب شعبية.
وقد فاجأت هذه الخطوة كثيرين، ولكن الخطوتين مكنتاه من الصمود والمقاومة، ولا تزال المقاومة مستمرة. وها هم زلم الاحتلال الأمريكي يكشفون عجزهم ويتخبطون، فمرة يتهمون سوريا، ومرة يشكون بأجهزتهم، ولكنهم لا يعترفون بأن الأسس التي بني عليها وجودهم غير صالحة ولا ناجعة وأن مراهنتهم على الاحتلال الأمريكي كانت خاطئة كلياً وأن مشروع ديمقراطيتهم مجرد ألعوبة وأكذوبة، ونهم مجرد أدوات لا غير.
المعركة مستمرة ومتصاعدة والسجناء بالآلاف والقتلى بالمئات يومياً، والحياة المدنية معطلة، حتى الحصول على الماء أو الكهرباء أصبح مشكلة، وانتظام الدراسة مشكلة، واستتباب الأمن مشكلة المشاكل.
في عهد صدام لم يكن شيءٌ من ذلك. ولكن صدام لم يكن يدّعي أنه ديمقراطي، ولكنه كان يزعم أن خطه ونهجه سيقودان إلى ديمقراطية حقيقية. فقد عمل على تمدين العراق وإعداده للحياة المدنية، فحارب البيروقراطية وسهل الاتصال بين دوائر الدولة في المراكز والمحافظات، وضرب البيروقراطيين واللصوص، وأغلق الحانات ومنع الدعارة المموهة، وطور الزراعة والصناعة والحياة الحزبية، ولكنه لم يسمح بصحافة حرة، وكان ذلك مؤجلاً إلى مرحلة قادمة.
إن الحديث عن صدام حسين خارج إطار المعركة لا ينصفه. ولذلك يجب الحديث عنه ضمن إطار المعركة التي ما زالت مستمرة وستستمر. فهي معركةٌ ضد الإمبريالية وضد التخلف والعجز والهوان والتضليل والتهويش والتشويش. ومنذ البدء قرر أن يخوضها ويختبر فيها قواه ومخططاته. ولقد أثبت حزبه الذي خاض المعركة منذ البدء قدرات غير عادية، ولا يزال يثبت ذلك دفاعاً عن خطه ونهجه في مواجهة قوى الإمبريالية الأمريكية والحلف الأطلسي وقوى الإتباع والعمالة والتخريب والركض وراء الضلال الأمريكي.
ولقد أسهم صدام حسين إسهاماً كبيراً في تعليم حزبه اتخاذ المواقف الشجاعة والصمود في المعارك على غير المألوف عربياً، إلا في بعض الوقائع المعروفة كحرب تشرين مثلاً.
إن فهم المعركة وأبعادها وفهم الصمود وأبعاده هو أفضل الطرق لمعرفة صدام حسين وفهم معركته وصموده في حياته وموته على المشنقة الذي رآه كل الناس.
أخيراً، إن تقدير صدام حسين يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى:
1 - فهم معركته مع إيران ضمن سياق الدور الإيراني في العراق والإقليم، وهو الدور الذي تكشف بوضوح بالأخص منذ احتلال العراق.
2 - دراسة برامجه الداخلية من البرنامج الاقتصادي والصناعي إلى البرنامج التعليمي والثقافي والتربوي.
ودون فهم هذه العوامل كلها ودراستها واستكشاف أهدافها لا يُفهم صدام. ورغم أن صدام متهم بأنه غير ديمقراطي، فإن فهم هذه البرامج سيغير النظرة ليصبح غير ديمقراطي في مرحلة، ولكن له إنجازات ديمقراطية.