في حارة من حارات المخيم كان العم" أبو درويش" المحني الظهر من أثقال الحياة والغربة والتشرد يقف أمام دكانه معتمرا كوفيته السمراء المعطرة بعبير العرق الفلسطيني، متأملا بعيونه الدقيقة المتعبة " من تحت نظارته العتيقة" أولاد الحارة وهم يلعبون ذاهبين وجائين بكرة " الجرابات والشرايط" ومتابعا لسكناتهم وهمساتهم البريئة.
كان العم أبو درويش يسعد حين كان الواحد منا يناوله نصف القرش"التعريفة" لشراء"حامض حلو" الذي كان يملأ " مرطبان الكزاز" وكان يطلب من "صاحب التعريفة" أن يضع يده في " المرطبان " ليخرج ما لذ وطاب من " الملبس" بأشكاله وألوانه المختلفة، وكم كنا نسعد حين كانت تمتلئ يدينا بعدد كبير من الحبات، وحينها كان الذي يستطيع أن " يغرف " بيده الصغيرة حبات أكثر من"الملبس" يطير فرحا فيلحقه الصبيان من أجل أن يعطي أحدهم حبة أو حبتين " من الحامض حلو" اللذيذ الذي كانت حلاوته تملأ فمنا، وألوانه البهية تلوِّن" ألسنتنا" بأحلى الألوان وأبهاها.
واليوم ،وبعد ثلاثين سنة مرت، صار خلالها العم "أبو درويش "في ذمة الله سبحانه وتعالى، أشعر برغبة شديدة أن أمد يدي في " مرطبان" واقعنا الحالي " فأغرف منه ما لذ وطاب من" القيم" وتتلذذ يداي الصغيرتان بجمع حبات من" النخوة والحلم والإيثار" وأشعر بحلاوة" الصبر والأناة والمحبة" في فمي" ويتلون لساني بألوان" التسامح وصفاء النفس وعذوبة السريرة" وتفيض نفسي على من حولي بشتى عبارات" الإطراء والمدح والثناء" .
أتمنى أن أكون مثلك أيها العم "أبو درويش" أحمل "مرطباناً" يتسع لكل معاني الحب والوفاء، وأتجول به في شوارعنا وحاراتنا،في أماكن عملنا، في جامعاتنا ومدارسنا ،في مساجدنا ودكاكيننا، في كل أرجاء الوطن" ليغرف الجميع منه " مجانا" ونستطعم معا بطعم" الحامض حلو".
أتمنى أن أكون مثلك أيها العم "أبو درويش" أحمل "مرطباناً" يتسع لكل معاني الحب والوفاء، وأتجول به في شوارعنا وحاراتنا،في أماكن عملنا، في جامعاتنا ومدارسنا ،في مساجدنا ودكاكيننا، في كل أرجاء الوطن" ليغرف الجميع منه " مجانا" ونستطعم معا بطعم" الحامض حلو".
آلمني كثيراً هذا المشهد .. المني ان نعيش يومنا بلاطعم ولا لون ولا رائحة ..آلمني أن أعتصر فوق جراحاتي كل يوم ابريق من الحزن ... يا إلهي لماذا أنت تكتب ..ولماذا هذا الابداع ..هل هو الألم الدفين الكائن في أعماقك..يحمل تناقضات زمن العيش هذا في داخلك !!
لله درك .. يعجز قلمي وأعجز أنا وتخجل حروفي وتتلعثم كلماتي ..وتقف كلها حائرة هنا !!
ابداع أخي ابداع ...
!!
أشكرك أخي ياسر على هذه الكلمات التي تدخل القلب دون استئذان ،،، فقد أعدتنا إلى الوراء ثلاثة عقود وربما أكثر بسرد جميل لواقع أجمل رغم بساطته ،،، فالتسامح وصفاء القلوب كانت السمة الأميز التي تجمع أبناء المخيم بأدواتهم البسيطة ،،، وبإذن الله يدوم الود والحب والتسامح بيننا جميعا في هذا الموقع ،،، أغبطك أخي ياسر حقيقة على قدرتك على نبش الذكريات بأسلوب جميل ومشوق وحماك الله من اعين الحساد ،،،
مشكور اخي ياسر على هذه الكلمات الرائعة .
للاسف نحن نعيش في عالم يخلوا من الحب والوفاء الا ما ندر .
حبذا لو تعود بنا الايام لما كنا من حب وتسامح ووفاء .
رائع ومبدع كالعادة اخي ياسر ما شاء الله عليك ، اسقاطات رائعة من زمن جميل الى زمن ضبابي بطريقة مشوقة تشعرنا وكاننا نعيش تلك الحظة بكل تفاصيلها الصغيرة وتعيدنا الى مرحلة كانت هي الاجمل لانها ببساطة الانقى والابسط والاكثر تلقائية وبعيدة كل البعد عن النفاق والتلون والعهر الاجتماعي المقيت ،،،
بورك قلمك الرائع وبانتظار ابداعاتك يا فنان