سلسلة العلماء المجددون " جميع الحلقات " .. - سلسلة العلماء المجددون " جميع الحلقات " .. - سلسلة العلماء المجددون " جميع الحلقات " .. - سلسلة العلماء المجددون " جميع الحلقات " .. - سلسلة العلماء المجددون " جميع الحلقات " ..
( سلسلة مجددي القرن العشرين )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،، اما بعد فهذه السلسة اخواني الكرام نقدمها لكم لأهم مجددي القرن العشرين لنتناول سيرهم وكيف عاشوا - رحمهم الله - فلا ندعي العصمة لأي منهم ولا نتعصب لأي منهم فكل يؤخذ منه ويرد الا محمد صلى الله عليه وسلم
وهذه السلسلة ستختص باهل العلم الجلاء الذين كان لهم اثر واضح في الدعوة الى الله في القرن الماضي .. سائلا المولى عز وجل ان تكون سببا في معرفة الكثير من الاخوة لهؤلاء الاجلاء قال تعالى : " والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم "
فالاتباع لما كان عليه الاسلاف هو امر الهي حث عليه الشرع في مواضيع عديدة في القران والسنه قال تعالى : " اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " قال تعالى : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " فانظروا اخواني الى اهمية اتباع الجيل الاول في الاسلام والانتساب اليهم وفهم الدين كما فهموه والسير واقتفاء اثرهم والوعيد الشديد الذي توعد الله به من خالفهم وخالف طريقهم وانتهج نهجا جديدا مخترعا ،، فهذا الاتباع والاقتداء ما أمرنا الله به واثنى على ما كان كذلك ، فمن سار على هذا الدرب نحسبه على الخير ولا نزكي على الله أحدا
قال صلى الله عليه وسلم من جديث ابو هريرة رضي الله عنه وأرضاه : ( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا )
قالت اللجنة الدائمة : " معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( يجدد لها دينها ) أنه كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم دينًا - بعث إليهم علماء أو عالمًا بصيرًا بالإسلام ، وداعيةً رشيدًا ، يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة ، ويجنبهم البدع ، ويحذرهم محدثات الأمور ، ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فسمى ذلك :
تجديدًا بالنسبة للأمة ، لا بالنسبة للدين
الذي شرعه الله وأكمله ، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة ، أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له ، قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) " انتهى .
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
عاش المسلمون العرب اوائل القرن الماضي حالة جهل على كافة المستويات وخصوصا في الدين ، وانتشرت البدع والمحدثات والضلالات والخزعبلات ودخل في الدين ما ليس فيه ، فرأينا الإستعمار نتيجة حتمية لذلك فظهرت جماعات تدعي انها على الاسلام الصحيح فبدلوا وغيروا وتفرقوا وتشرذموا ( كل حزب بما لديهم فرحون ) الى ان قيض الله لهذه الامة رجال مخلصين حملوا الدعوة على عاتقهم وبهم اقام الله بهم شرعه ،، فبعث الله سلسلة من العلماء الربانيين - ولا نزكيهم على الله - من اقام لواء الدين ونذر حياته لاقامة السنة وقمع البدعة بالرغم من ضجيج اهل الانحرافات والتعصبات والاحزاب والمتفلسفين بالسياسة - ومما اكثرهم - ممن اتخذ من - بيت المقدس - تجارة اما للشهرة واما للمناصب ...الخ،، فمن الله على هؤلاء الجبال في العلم ان نقحوا وصححوا واقاموا راية التوحيد من جديد بعد ان نال منها اهل البدع والضلال والعصبيات الحزبية التي شرذمت الامة
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
العالم الاول الذي سنتكلم عنه اليوم هو طيب الذكر بقية السلف الشيخ العلامة / فضيلة الشيخ محمد صالح العثمين - رحمه الله - فهذا الشيخ نذر نفسه لخدمة سنة محمد صلى الله عليه وسلم فعاش 74 عاما يطلب العلم ويعلم الناس ،، وهناك الكثر الكثير ما سنقف عنده بحوله تعالى
******************** كتبه : إحسان العتيـبي
اسمه ومولده
اسمه :
الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين الوهيبـي التميمي ، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ، وأستاذ بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم ، وإمام وخطيب الجامع الكبير بمدينة عنيزة .
وهو متزوج من امرأة واحدة ، وله من الأولاد الذكور : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وإبراهيم ، وعبد العزيز ، وعبد الرحيم .
مولده : ولد في مدينة عنيزة في 27 رمضان عام 1347 هـ . وعليه : فيكون الشيخ قد عمِّر ( 74 ) عاماً .
علمه
حفظ الشيخ رحمه الله كتاب الله في سن مبكرة ، وقبل أن يتجاوز الخامسة عشر من عمره كان يحفظ – بالإضافة إلى كتاب الله – " زاد المستقنع " و" ألفيَّة ابن مالك " – كما أخبر بذلك هو عن نفسه .
وقد جدَّ الشيخ ونشط في طلب العلم على قلة ذات اليد في ذلك الزمان ، وقد حدَّث عن نفسه فقال إنه كان لا يملك إلا " الروض المربع " يقرأ فيه ، في غرفة من طين تطل على " زريبة بقر " !
زهده وإنفاقه
زهده : والشيخ عرف عنه زهده في هذه الفانية ، ومن ذلك : أ. أنك تجده على لباس واحد لا يتغير طوال الأسبوع ، تبدأ " غترته " بالتناقص من بياضها يوماً فيوم ، حتى ترجع إلى بياضها في يوم الجمعة . ب. ولما أهديت له عمارة من الملك خالد بن عبد العزيز جعلها وقفاً على طلبة العلم ، وصار هو القيم عليها . ت. ولم يخرج من بيته الطيني إلا من قريب بضغطٍ من أبنائه . ث. وكانت تعطى له الأعطيات الكبيرة فيعلن على الملأ مباشرة أنها لطلبة العلم.
إنفاقه : وأما إنفاقه في سبيل الله من أموال غيره فكثير وسيأتي بعضٌ منه ، وما يهمنا هنا هو إنفاقه من ماله الخاص ، وقد حدَّث عن ذلك بعض تلامذته فقال :
أما ما أخفاه الشيخ عن الأمة فهو تبرعه السخي الخاص للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأذكر أنني في إحدى زياراتي له في منـزله عندما كنت أدْرس في الولايات المتحدة الأمريكية أنه أخذ بيدي إلى " مختصر " له فقال : يا عبد الله أنا وأنت هنا ولا يرانا إلا الله خُذ هذا المال ، وكان كبيراً ، وهو من مالي الخاص ! واشتر به مصاحف ووزعها على المحتاجين في السجون الأمريكية ، وأنت مسؤول عن الشراء وعن التوزيع ، وأسألك بالله ألا تبلِّغ بهذا أحداً !! . ولم أبلِّغ بهذا أحداً منذ وقته إلى الآن ، أما وقت انتقل الشيخ إلى الرفيق الأعلى فلا أرى بأسا أن أذكر أنه كان من المنفقين في السراء والضراء ، وكان لا يريد علم الناس بذلك ، رحم الله الشيخ رحمة واسعة وأجزل له المثوبة والعطاء . د. عبد الله الموسى رئيس قسم الحاسب الآلي ونظم المعلومات ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
تعليمه
عُرف عن الشيخ أسلوبه النادر في التعليم ، فهو يوصل المعلومة بأسهل طريق إلى المتعلمين والسامعين. ولا يكاد يغيب ذهن الواحد من الجالسين في درسه حتى يوقفه الشيخ ليجيب على سؤال أو ليعيد آخر كلام قاله . وعرف عنه طريقة السؤال والجواب – لا السرد – وهي طريقة نافعة يترقب الطالب فيها كل لحظة أن يتوجه له سؤال . وهي طريقة تحيي المجلس وتجعل الطالب دائم التحضير والمتابعة . ويعطي الشيخ رحمه الله الدرس حقَّه ومستحقه من الشرح والبيان ولا ينتقل بالطالب إلى موضوع جديد حتى يكون قد فهم ما مضى . ويعيد على الطلبة في الدرس التالي – بطريقة السؤال والجواب – ما أُخذ في الدرس الماضي ، وهكذا يتأهب الطالب لدرس اليوم ، ويعيد قراءة ما سلف من الدروس الماضية . وللشيخ رحمه الله شروح كثيرة لكتب عديدة – سواء من تأليفه أو من تأليف غيره – ومن فضل الله عليَّ أنني قد سمعت مادة علميَّة منها كثيرة - وقمت بشرح كل ما سمعته من الشيخ تقريباً - . ومن هذه الدروس والشروح ما يتكرر أكثر من مرة ، منها : أ. " شرح الأصول من علم الأصول " . ب. " شرح زاد المستقنع " . ت. " شرح أبواب من صحيح البخاري " . ث. " شرح أبواب من صحيح مسلم " . ج. " شرح ألفية ابن مالك " . ح. " شرح الآجرومية " . خ. " شرح العقيدة السفارينية " . د. " شرح كتاب التوحيد " . ذ. " شرح الواسطية " . ر. " شرح التدمرية " . ز. " شرح الحموية " . س. " شرح البيقونية " . ش. " شرح نخبة الفِكَر " . ص. " شرح الأجزاء الأخيرة من القرآن " . ض. " شرح بعض السور ، مثل البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والأحزاب ، وسبأ .. وغيرها بطريقة التفصيل واستنباط الفوائد والأحكام " . ط. " شرح بلوغ المرام " . وغير ذلك كثير ، يصعب حصرها وتعدادها الآن .
والشيخ – رحمه الله – كان حريصاً على تبليغ العلم لتلامذته وللناس جميعاً ، وخاصة في رمضان الذي يحرص فيه الشباب وعامة الناس على لقيا الشيخ والاستماع له .
ولم يفوِّت الشيخ عليهم رغبتهم تلك حتى مع اشتداد مرضه ، فلقد حرص - رحمه الله – على بقاء الدرس اليومي بعد " التراويح " ولكنه لم يستطع أن يبذل فيه جهده المعروف في كل عام ، فألقى ستة دروس في هذا العام ، وكانت مدة كل درس لا تتجاوز النصف ساعة ، ولنستمع إلى حادثة من حوادث تلك الأيام والتي يبين فيها عظيم همة الشيخ ومزيد حرصه على التعليم وإفادة الناس ، وهي حادثة تستحق أن يراجع بعدها كلُّ واحدٍ منَّا نفسه ، فما أن يصيبه مرض يسير إلا ويسارع إلى إلغاء كل نشاط له علمي أو دعوي !!
قال ابن الشيخ الأوسط إبراهيم : الوالد - رحمه الله - كان من الناس الزهاد في حياته ، حياته مليئة بالمآثر والمواقف ، ولعلي أذكر آخر موقف من المواقف العظيمة والتي لا نستطيع نحن ولا الكثير من الناس أن يأتوا بمثلها وهو في أواخر أيامه - رحمه الله - في اليوم التاسع والعشرين في رمضان حصل له بعض التعب في الصباح، فقرر الطبيب المرافق أن يتم نقله من " الحرم " إلى مستشفى " جدة " وبالفعل تم نقله إلى هناك وأدخل العناية المركزة ، وجلس هناك قرابة الأربع أو الخمس ساعات تقريباً وعندما جاء العصر تحسنت حالته شيئاً ما ، فأصرَّ أن يذهب إلى " مكة " رغم محاولاتنا إثناءه عن ذلك فقال : " لا تحرمونا هذا الأجر فهذه آخر ليلة في رمضان " !
وبالفعل ذهبنا إلى مكة ومعنا الأطباء المرافقون ، وأجلسناه في غرفة داخل الحرم ، وأول ما دخل الغرفة طلب أن يتوضأ ويصلي المغرب والعشاء ، وبعد أن انتهى من الصلاة طلب أن يُعدَّ للدرس !! ولما انتهى من الدرس قال للأطباء : " كيف تحرمونني من هذا الأجر العظيم " ؟!.
فهو إنسان غير عادي فهذا الموقف من يستطيع اليوم أن يقفه ، فالإنسان إذا أدخل المستشفى لأي سبب جلس بعدها ما جلس حتى عن مباشرة عمله فهو يخرج من غرفة العناية المركزة للدرس فهذا تفكيره وهذا شغله الشاغل والحمد لله .
يرحم الله الشيخ العلامة بن العثيمين
حقيقة موضوع رائع ومميز فهؤلاء العلماء الذين أفنوا حياتهم
في طلب العلم وتعليم الناس صغار الأمور وكبارها ، رضي الله ورسوله
عنهم ، ونحسب الشيخ بن العثيمين منهم ولا نزكي على الله احدا .
نجدته وفزعته
وللشيخ نجدات وفزعات للمسلمين ببذل الشفاعات وتيسير الحاجات وإعطاء المستحقين الكتب والأموال ، وقد حدَّث بعضُ تلامذته – مثل الأخ وليد الحسين – عن ذلك كثيراً ، لكن عندي شيء لعله لا يعرفه إلا نفر قليل عن حادثة عظيمة في حياة الشيخ رحمه الله ، وهي :
أ. أنه قد سافر شباب من " الأردن " إلى العمرة ، وفي " خيبر " قدَّر الله عليهم حادثاً صدموا به عمود الإنارة ! فهرعت الشرطة لمكان الحادث ، وأصروا على السائق أن يدفع تكاليف العمود وكانوا قد قدَّروا ذلك بـ ( 21000 ) واحد وعشرون ألف ريال !
وهذا السائق – ومعه المعتمرون – لا يقدرون على دفع مثل هذا المبلغ !
فحجز الشرطة جواز سفر السائق لحين تدبير المبلغ ودفعه عند رجعتهم من أداء العمرة .
فغلب الشباب على أمرهم وفكروا في طريقة تحصيل المبلغ ، فلم يكن أمامهم إلا عرض الموضوع على بعض المشايخ ، فكان أن ذهب واحدٌ منهم – وهو الذي حدثني بالقصة – إلى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في غرفته في الحرم المكي بعد صلاة العصر .
فعرف الشيخ منه القصة ، وقال له : " تعال غداً وإن شاء الله يصير خير " !
قال الشاب : فلم أرجع للشيخ لأنني عرفت أن المبلغ كبير ، والشيخ لا يعرفنا ، ولم يُعرف عن الشيخ أنه يساعد في مثل هذه الأمور ، لكنني ذهبت – والكلام لمحدثي – تحقيقاً لرغبة الشباب في أن أكلِّم الشيخ فقط.
ثم رجع القوم إلى " الأردن " ، وكان لا بدَّ من المرور على " خيبر " ! لأخذ الجواز، ولعلَّ الله أن يكون قد رقق قلوبهم فيسقطوا عنا المبلغ .
ولما دخل الشباب إلى المركز أصرَّ الضابط على إحضار المبلغ كاملاً وإلا لا سفر ، فإن أرادوا السفر فمن غير السائق !!
تحيَّر الشباب وسائقهم ! ماذا يفعلون ؟
توجهوا للشاب الذي ذهب للشيخ ابن عثيمين فقالوا له : ألم تذهب أنت للشيخ ماذا قال لك ؟ قال : قال : تعال غداً !!
قالوا : فهل ذهبتَ له ؟ قال : لا !!
قالوا : اتَّصل به لعل الله أن يكون الفرج على يديه ونحن محبوسون عن أهلنا هنا ونحن في آخر أيام رمضان !!
قال : فاتَّصلتُ بالشيخ في غرفته فردَّ عليَّ وأخبرته بحالنا !
قال : أنت الشاب الأردني ؟؟!!
قلت : نعم يا شيخ !
قال : ألم أقل لك تعال في الغد ، لـمَ لـمْ تأتِ ؟
قال : استحييتُ !
قال : فلمَ كلمتني إذن ؟؟! على كل حال : المبلغ كان جاهزاً في اليوم نفسه !!!!!
فلم يصدِّق صاحبي الخبر ، وكاد الشباب أن يطيروا فرحاً – ومعهم السائق بالطبع ! - .
قال الشاب : والحل يا شيخ ؟
قال الشيخ : أنا أحوِّل المبلغ للمركز ، وأطلب منهم أن ييسروا أمركم وترجعوا إلى أهليكم قبل العيد!!
قال الشيخ : أعطني الضابط المسؤول !
كلَّم الضابطُ الشيخ بنوع من اللامبالاة !
قال الشيخ : المبلغ عندي وأعطني رقم حسابكم وأنا أحوله لكم وأطلقوا الشباب وسائقهم ليذهبوا إلى أهليهم !
ردَّ الضابط بقلة أدب : آسفين يا شيخ ! لا بدَّ من إحضار المبلغ نقداً وإلا فلن يسافروا ولن يرجعوا!!
غضب الشيخ جدّاً من الضابط ، وقال : أقول لك المبلغ عندي دعهم يذهبوا إلى أهليهم !!
رفض الضابط مرة أخرى !
أغلق الشيخ السماعة .
قال الشاب : فما هي إلا لحظات إلا والمركز ينقلب رأساً على عقب!!
ما الخطب ؟؟
إنه أمير المدينة !! – الأمير عبد المجيد – اتصل يسأل عن الضابط الذي رفض طلب الشيخ وبدأ يهدد ويتوعد بالعقوبة !!
حاول الضباط وأفراد الشرطة التستر على زميلهم !!
ورأى الشباب تغير العنجهية بصورة سريعة ومذهلة ! إلى رقة وأدب !
فأمرهم أمير المدينة بإطلاق الشباب وسائقهم فوراً وتصليح العمود على حساب الدولة !!
لا يتصور أحد مدى فرحة الشباب بهذا الخبر ! فشكروا للشيخ جهوده ووقفته معهم وارتفعت أصواتهم بالدعاء للشيخ ، وأكبروا في الأمير احترامه للعلماء وتقديره لمكانتهم في موقف لن ينساه أحد منهم ما عاش أبداً !
خلقه ودينه
ولا يتسع المقام هنا لذكر كثيرٍ من صور عظيم خلقه ودينه رحمه الله ، ونذكر في هذا المقام الضيق عدة صور لعل الله أن ينفع بها :
أ. في لقاءات الشيخ رحمه الله في بيته كل خميس قبل الظهر ، كان الشيخ رحمه الله يبدأ اللقاء بتفسير آيات من القرآن الكريم ، وقد رأى أن يبدأ من الأجزاء الأخيرة لكثرة قراءتها واستماعها من الناس ، ثم يفسح المجال لكل زائر بسؤال واحد .
وفي بعض تلك اللقاءات – والتي جمعت مادتها بما عرف بـ " الباب المفتوح " – استأذن بعض الشباب بقراءة أبيات من الشِّعر نظمها في مدح الشيخ رحمه الله ، وقد قاطعه الشيخ مراراً معترضاً على مدحه وطلب تغيير تلك الكلمات التي يُمدح فيها الشيخ ، وكلما سمع مدحاً اعترض وقاطع وأوقف الطالب ، حتى قال الطالب : لا يصلح هذا يا شيخ ! إما أن أقرأ ما كتبتُ أو أتوقف ! قال الشيخ : توقف أحب إليَّ !! ولم يرض رحمه الله بهذا المديح .
والقصة حين تسمعها مباشرة في الشريط تتأثر من خُلُق الشيخ وعظيم دينه ، وقد كُتبت الحادثة فيما جمع من تلك اللقاءات ، فكانت هذه الحادثة على هذا النحو :
الطالب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
أما بعد يا فضيلة الشيخ : أستاذنكم في قصيدة أتلوها :
فجر وأنواره في الأرض تنتشروالحق رغم جهود الشر منتشرنقية ما بها شوب ولا كـدربمثله يرتجى التأيـيد والظفـر يا أمـتي إن هـذا الليـل يعقبـهوالخيـر مـرتقب والفتح منتظـربصحوةٍ بـارَكَ الباري مسيـرتهاما دام فينا ابن صالح شيخ صحوتنا
أنا لا أوافق على هذا المدح لأني لا أحب أن يربط الحق بالأشخاص ، كل شخص يأتي ويذهب ، فإذا ربطنا الحق بالأشخاص ، معناه أن الإنسان إذا مات قد ييأس الناس من بعده .
فأقول : إذا كان بإمكانك أن تغير البيت الأخير بقولك :
بمثلها يرتجى التأيـيد والظفـر ما دام منهاجنا نـهج الأولى سلفوا
فهذا طيب .
أنا أنصحكم من الآن وبعد الآن ألاّ تجعلوا الحق مربوطا بالرجال :
أولا ً : لأنهم قد يضلون ، فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول : من كان مستنا فليستن بمن مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة .
ثانياً : أنه سيموت ، ليس فينا أحدٌ يبقى أبداً ! { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } .
وثالثاً : أنه ربما يغتر إذا رأى الناس يبجِّلونه ويكرمونه ويلتفون حوله ربما ظن أنه معصوم ويدَّعي لنفسه العصمة وأن كل شيء يفعله فهو حق ، وكل طريق يسلكه فهو مشروع ، ولا شك أنه يحصل بذلك هلاكه ، ولهذا امتدح رجل رجلا عند النبي عليه الصلاة والسلام فقال له : " ويحك ، قطعت عنق صاحبك " .
وأنا أشكر الأخ على ما يبديه من الشعور نحوي وأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنه أو أكثر ، ولكن لا أحب المديح .
" لقاء الباب المفتوح " / اللقاء السابع والأربعون / السؤال 1148 .
قلت : فلعلَّ في هذا عبرة لمحبي الشهرة والباحثين عن مديح الناس وهم لا يستحقونه ! أن يروا هذا الإمام الذي يستحق المدح كيف يقابله !
ب. في إحدى عمرات الشيخ كان قد أدى العمرة مع جمع من أصحابه وقد سكنوا جميعاً في مسكن واحدٍ ، وفي أثناء رجوعهم من المسجد الحرام إلى المسكن مرَّ الشيخ رحمه الله مع مَن معه على مجموعة من الشباب اللاهي وهم يلعبون " كرة القدم " ! فوقف الشيخ بينهم ينصحهم ويوجههم للصلاة ، فكان أن قابل أولئك الشباب الشيخَ بشيء من اللامبالاة والاستهزاء ! فطلب الشيخ ممن معه أن يذهب إلى السكن ويبقى وحده مع أولئك الشباب !
فكان أن حصل للشيخ ما أراده ، فلما رأى الشباب أن الشيخ مصرٌّ على البقاء ليذهبوا معه للصلاة سبَّ عليه واحدٌ منهم سبّاً مقذعاً بكلمات قبيحة نابية !
وقد فعل ذلك حتى لا يجعل مجالاً للشيخ في أن يبقى بينهم ، وهم – بطبيعة الحال – لا يعرفون أن هذا هو الشيخ ابن عثيمين !
فتبسم الشيخ ! وأصرَّ على البقاء حتى يصلِّي الشباب ، وأن يذهب هذا السابُّ معه! وجلس الشيخ وسطهم على حجر مصرّاً على قوله .
والشباب استاءوا من مسبَّة صاحبهم لمثل هذه " الشيبة " !
فطلبوا من صاحبهم السابّ - لما رأوا إصرار الشيخ – أن يرافق الشيخ ، ومعنى كلامهم أن يمشُّوه على قدر عقله !
فذهب الشاب السابُّ أخيراً مع الشيخ !
ولما دخلوا المسكن ، استأذن الشيخ من الشاب قليلاً .
فخاطب بعضُ مَن مع الشيخ ذلك الشاب : هل تعرف الشيخ ابن عثيمين من قديم !!
فكاد الشاب أن يُغمى عليه من الصعقة !
وقال : ماذا قلت ؟ من هذا الشيخ ؟
قال : هذا الشيخ ابن عثيمين ! ألا تعرفه ؟؟
فما كان من الشاب إلا أن تأثر من موقفه ذاك وبكى ، فلما حضر الشيخ قبَّل رأسَه وطلب منه المسامحة !
وما كان من الشيخ إلا أن يسامحه وهو الذي صبر عليه وهو يسبه ويشتمه ، ثم علَّمه الوضوء والصلاة، فالتزم ذلك الشاب على يد الشيخ رحمه الله .
فانظر إلى هذه الهمة ، وهذا الحرص ، وذلك الصبر من الإمام رحمه الله .
ت. ولما أفتى الشيخ رحمه الله بفتيا معلومة اتهمه بعض الناس بتهم شتى ، تتعلق باعتقاده ! والشيخ مقتنع بما قال وله في ذلك سلف مثل شيخ الإسلام رحمه الله.
وفي مرَّة زاره شبابٌ من طلبة العلم ومعهم أسئلة ، ومن ضمن تلك الأسئلة ما يتعلق بتلك الفتوى ، وما قيل في الشيخ – رحمه الله - .
فأجاب الشيخ ، ومن ضمن إجابته قال : إن الناس إذا رأوا إنساناً مشهوراً ! تكلموا عليه وطعنوا فيه حسداً من عند أنفسهم … إلخ .
وراح الشباب ومعهم التسجيل .
وفي الليل اتصل الشيخ رحمه الله بالشاب الذي أحضرهم إليه طالباً منه الشريط !!
فاستغرب الشاب – أولاً – اتصال الشيخ ، واستغرب أكثر من هذا الطلب !!
فطلب الشاب التوضيح من الشيخ عن سبب طلبه الشريط قال الشيخ : هناك كلمة قلتُها ما كان ينبغي لي قولها ! وأرى أن تحذف من الشريط ! وهي قولي " إنساناً مشهوراً " !! فهذه فيها تزكية للنفس أرى أن تحذف !!!
ث. وقد عرض على الشيخ تولي القضاء من قبل مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - الذي ألح على فضيلته بتولي القضاء ، بل أصدر قراره بتعيينه ، فطلب منه الإعفاء ، وبعد مراجعات واتصالات سمح بإعفائه من منصب القضاء .
ج. وكان الشيخ رحمه الله متواضعاً ، فعلى كبَر سنِّه وكثرة علمه ، لم يمنعه ذلك من الاستفادة حتى ممن هو أقل منه سنّاً وعلماً ، أو من غير أهل العلم الشرعي ، ونذكر في ذلك صورتين :
الأولى : أنه لما كان يدرِّس تلامذته شرح صحيح البخاري ، ذكر مسألة ما يخرج من المرأة من رحمها ، وذكر أنه طاهر ويوجب الوضوء ، وذكر أن ابن حزم – رحمه الله – كان من المخالفين ، وقال – رحمه الله – لتلامذته :
ولكني لم أر له سلفاً في ذلك ، فإن رأيتم له سلفاً فيا حبذا !.. وقال :
أنتم جزاكم الله خيراً ساعدونا !!
والثانية : حدَّث بها الشيخ عادل الكلباني فقال :
وأذكر لكم موقفاً شهدته مع فقيدنا الوالد الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - تغمده الله بواسع رحمته ، وأدخله فسيح جنته - فقد كنا في زيارة له منذ أعوام جاوزت ثمانية - لم أعد أذكر - وكان عنده مجموعة من الأطباء ، من بينهم الدكتور " البار " ، وكان فضيلتُه يسألهم عن الدماء وأحوال المرأة في حيضها ونفاسها ، وكان تلميذاً نجيباً !! ، لم يدعْ مسالةً إلا سأل عنها ، ثم لما فرغ ، وأجابه الأطباء عن مسائله قال : إن مسألة الحيض من معضلات الفقه ، والتي تشكل علينا دائماً ، فأردت الاستزادة من أهل الاختصاص ، حتى نفتي عن علم .
رحمك الله أيها الشيخ . أ.هـ
فلله درك يا إمام ما أعظم خلقك وما أمتن دينك ، ورحمك الله من قدوة صالحة .
اهتمامه بالعالم الإسلامي
والشيخ – رحمه الله – كان له اهتمام بالمسلمين في العالم ، وبالمجاهدين منهم فكان رحمه الله يفتي بدفع الزكاة لهم ، ويؤيدهم ويطلع على أحوالهم ، ويلتقي بوفودهم.
وفي أوائل الجهاد في الشيشان كان قد خصهم بدروس – سمعتُ بعضها – في المسجد الحرام في العشر الأواخر منه ، وأنهى كلمته بدعاء بليغ لأن ينصرهم الله ويثبت أقدامهم .
وله الموقف نفسه في الجهاد في البوسنة وأفغانستان وفي غيرها من بقاع العالم .
فرحمه الله ورفع درجته فما كان يشغله العلم والتعليم عن إخوانه المسلمين وأحوالهم.
وهذا بعض ما قاله الإخوة في الشيشان بعد وفاة الشيخ رحمه الله :
(( وإن ينس الناس فضل شيخنا :
فلن ننسى : وقوفه معنا في الحرب الأولى ودعمه لنا بما يستطيع أثناء الحرب ، وكان بعد الحرب حريصاً على افتتاح المعاهد وإنشاء المحاكم الشرعية .
ولن ننسى مناصحته لنا وتوجيهه الدائم في شأن المحاكم وتطبيق الشريعة .
ولن ننسى وقوفه معنا أيضاً في حربنا هذه سواءً بماله يوم أن أرسل لنا زكاته وقال هي لمصرف الجهاد فقط ، أو وقوفه معنا بتوجيه الناس إلى دعمنا.
ولن ننسى اتصاله اليومي أو شبه اليومي بنا ليسمع أخبارنا وينظر في حاجتنا ومشاكلنا ومسائلنا الشرعية .
ولن ننسى دعاءه لنا في السر والعلن من فوق منبره وفي دروسه ومحاضراته وفي قيامه وسجوده .
ولن ننسى ما أخبرنا به طلابه أنه كان من شدة اهتمامه بقضيتنا ، كان يقرأ على طلابه في المسجد الأخبار التي ننشرها في موقعنا ثم يختم بالدعاء لنا .
ولن ننسى أنه هو أول من أفتى بوجوب مناصرتنا ، وأول من وضح الرؤيا للناس عن أوضاعنا ومدى شرعية جهادنا ، ولقد كان لفتواه تلك بالغ الأثر حيث تتابعت علينا بعد فتواه النصرة والمؤازرة .
وإن ينس الناس ذلك كله أو يجهلونه فإننا لن ننسى مواقف الشيخ في قضايا المسلمين جميعها .
وهو الذي خصص من وقته كل أسبوع ساعة أو أكثر لقيادة المجاهدين في البوسنة، فكان يفتي لهم وينظر حاجتهم ويسمع أخبارهم ويستبشر بها وينشرها ، وقد حدثونا عن موقف له لا ننساه وهو أن قيادة المجاهدين في البوسنة سألوه عن حكم القتل خطأ وماذا يجب على القاتل وبعد الإجابة قال : أما دية المقتول فعلي وسأرسلها لكم إن شاء الله .
وله قبل ذلك مواقف مشرفة مع جهاد إخواننا في أفغانستان فمن إفتاء بدعمهم ومناصرتهم بكل طريقة ، ومناصحة للقادة واهتمام بشؤونهم ، إلى عمل دائم يترجم فيه اهتمامه بقضايا المسلمين .
ولم يكن الشيخ بعيداً عن " أرتيريا " و" الفلبين " لا بماله ولا فتواه ولا جهوده .
هذا هو الجانب الجهادي من حياة الشيخ الذي قد يخفي على الناس .
فإن كان الناس لا يعرفون جهود الشيخ هذه ، فمعهم عذر فإن الشيخ علم في الزهد والورع والاستخفاء بالأعمال ، فقد أقبلت إليه الدنيا وأدبر عنها والكل يعرف هذا عنه رحمه الله .
ولو أردنا استيعاب مواقفه المشرفة رحمه الله مع قضايا الجهاد لطال بنا المقام ، فكيف لو أنا تحدثنا عن علم الشيخ ودعوته ودروسه وإنفاقه ونصحه للناس وإفتائه ومنهجه وطريقته وزهده وورعه و.. و .. إلخ . ..)) .
الدرس الأخير للشيخ رحمه الله في الحرم المكي
قال بعض إخواني الشباب ممن حضروا ذلك الدرس :
الدرس الأخير لفقيد الأمة وفقيد العلم في الحرم كان درس العبرات ..!!
كنت ممن استمع إلى درسه الأخير - قدس الله روحه - في ليلة الثلاثاء المتمم للثلاثين من رمضان لهذا العام 1421هـ .
وكان لحضور هذا الدرس أهمية في نفسي لسببين :
أولهما :أنه قبل ذلك اليوم بيومين أخذ المرجفون يشيعون بالهاتف والإنترنت خبراً كاذباً عن وفاة الشيخ – قدس الله روحه – فنكذّب الخبر بصفتنا قد استمعنا للدرس في الحرم .
والثاني : أننا نعلم حقيقة ما ألـمَّ بالشيخ من داء عضال ، أجمع الأطباء قديما وحديثا على أن من وصلت حالته إلى ما وصلت إليه حالة الشيخ قد أصبحت أيامه معدودة إلا أن يشاء الله شيئاً …
وكان صوت الشيخ – قدس الله روحه – يشير [ لما ] وصلت إليه حاله من تدهور في الصحة العامة ، ونحول شديد في جسمه نقله عنه كل من رآه ، لا سيما وأن مرض السرطان – أجارنا الله وإياكم – معروف عنه أنه يسبب آلاماً رهيبة ومبرحة للمصاب به لا يمكن التغلب عليها إلا بجرعات كثيرة من دواء مخدر ( كالمورفين )، ولا أشك في أن الشيخ – قدس الله روحه – وكما سمعنا أيضا - قد رفض تعاطي ذلك الدواء وآثر الاحتساب فعلى الله أجره ولله الأمر من قبل ومن بعد ..
كنت أستشف من خلال صوت الشيخ مقدار ما يعانيه ، ولكنه كان مصرّاً على إلقاء درسه كالعادة حتى لو لم يستمر إلا ثلث ساعة أو أقل من ذلك ، [ وعندما ] تشتد وطأة المرض عليه يغيب عن الحرم .. وقد افتقدناه حوالي أربعة أيام من الشهر لشدة ما ألم به ، ثم عاد ونحن بين خوف ورجاء ..
كان درس ليلة الثلاثين درساً عجيباً مفرحاً ومحزناً اختلطت فيه الفرحة بالخوف ، واختنقت فيه العبرات ..!!
كانت الفرحة بسماع صوت الشيخ المُتعب وتمثل الفرح في أنني تأكدت من كذب خبر وفاته المشاع يومها ..
بدأ الشيخ بالحديث بصوت أثقلته الآلام ، فتحدث عن العيد وأن الله سبحانه وتعالى جعل للمسلمين ثلاثة أعياد – الأضحى والفطر والجمعة - حق للمسلمين أن يفرحوا فيها بما أنعم الله عليهم من توفيق للأعمال الصالحة ، وفصّل فيها قليلا ، ثم انتقل إلى الإجابة على الأسئلة ..
وقد أطال الشيخ - قدس الله روحه - درسه تلك الليلة على غير ما اعتدناه في هذه السنة من اختصار حتى أن الدرس في الأيام السابقة لذلك اليوم ربما لم يكد يستغرق العشرين دقيقة ، إلا أن الدرس الأخير أخذ أكثر من خمس وثلاثين دقيقة أجاب فيه - قدس الله روحه - على أسئلة كثيرة..!!
ثم اقتربت النهاية ، وتسارعت الأنفاس ، واضطربت نبضات القلوب خوفاً من أن هذا الدرس ربما يكون آخر العهد بشيخنا الحبيب الذي طالما ارتوينا من معينه ، واستنرنا بنور علمه وفقهه !!
لا أدري كيف كان حال من حولي حيث أخذت أتخيل أننا ربما لا نلقى حبيبنا بعد عامنا هذا بل بعد درسنا هذا !!
لا أدري عما كانت آخر الفتاوى لانشغال الفكر بالتفكير في أن هذا ربما كان آخر العهد ، ولكن سرعان ما انتبهت على انتهاء الأسئلة وقال الشيخ بعدها قولة حُفرت في الذاكرة !!
نعم لا زلت أذكر آخر كلمات نطق بها الشيخ فأوشك على البكاء وأبكى من استمع له ..!!
قال الشيخ بصوته المتعب : وحيث أن هذه الليلة هي ليلة الثلاثين من رمضان فسيكون هذا آخر درس لهذا العام !!
يا للهول آخر درس !!! لقد قال الشيخ : آخر درس ؟؟!! نعم قالها ، ولكن قال بعدها وخنقته العبرة: لهذا العام ، ولكن كان لسان الحال يقول : بل آخر درس إلى الأبد ..!!!
كان صوت لسان الحال أعلى من ذلك الصوت المثقل بالآلام فكأن الشيخ لم يقل : لهذا العام ، وكأننا ما سمعناه قال إلا : آخر درس إلى الأبد !!!
إنا لله وإنا إليه راجعون ..اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها !!
نعم والله ..كان هذا ما شعرت به وشعر به من حضر ذلك الدرس الذي لا يُنسى أبد الدهر ..!!
حتى لقد رأيتُ من نقل عن الشيخ – قدس الله روحه – قوله هذا ( آخر درس لهذا العام ) ، ولكن الناقل قد أسقط الكلمة الأخيرة وما قال إلا ( آخر درس ) !! ولا أشك في أنه لقي ما لقينا ونقل عن الفقيد ما قال لسان الحال لا ما قال هو ..!!
إنا لله وإنا إليه راجعون ..اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها !!
أعظم الله أجرنا وأجركم في فقيد الأمة وفقيد العلم والعلماء ..
على مثل ابن العثيمين فلتبك البواكي ..
لعمــرك ما الـرزية فــقـد مال ولا شـاة تـموت ولا بـعيــر
ولكـن الـــرزية فقــد شـيخ يـمـوت لمـوته خلـق كثــير