الدكتور اياد قنيبي
والدة رامي مشمش (نسأل الله أن يرحمه ويتقبله في الشهداء) أخبرها الشباب أن ابنها قُتل فنثرت الحلويات على رؤوسهم، وبدل أن تبكي وتذرف الدمع، بكوا هم.
فلو كان النساء كمثل هذي لفُضِّلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ ولا التذكير فخرٌ للهلال
ملاحظة: حتى لو بكت الأم وحزنت فليس الحزن في مثل هذه المواطن عيبا ولا نقصا. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحزن لمن يُقتل من أصحابه في المعارك.
روى البخاري عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: (لمَّا جاء قَتْلُ زيدِ بنِ حارثةَ ، وجعفرٍ ، وعبدِ اللهِ بنِ رواحةَ ، جلس النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُعْرَفُ فيهِ الحُزْنُ ، وأنا أَطَّلِعُ من شَقِّ البابِ).
فالمسلم وإن كان يفرح لتأهل قريبه وحبيبه للشهادة فيما يرجو، لكنه أيضا يحزن لفراقه ولفقدان المجتمع والدعوة والجهاد إياه.
إنما نُكْبِر في هذه الأم صبرها واحتسابها وسماحة نفسها بولدها لوجه الله تعالى ويقينها بأن الآخرة لابنها خير وأبقى فيما نحسبه ونحسبها.
فلتتعلم الأمهات.
في كل عدوان يشنه جيش الاحتلال في فلسطين على أهل غزة الصابرين الصامدين المقاومين، تكون نتيجته قتلا ودمارا وتشريدا ولجوءا، دمار في كل مكان من القطاع المنكوب، وشهداء بالمئات، وإصابات وجرحى بالآلاف، في كل ساعة تنقل كاميرات الفضائيات صورا ومشاهد مفزعة ومروعة لمجازر رهيبة تقترفها آلة الحرب العسكرية.
نعم إن أهل غزة يتألمون ويتوجعون، فهم فوق حصارهم الخانق الذي يفرضه عليهم صهاينة العرب واليهود معا، بتجرعون مرارة الفقد، فقد الأحبة والأهل والأصدقاء والجيران، ويفجعون بالاعتداء على بيوتهم وممتلكاتهم، ثمة قصص ووقائع يرى الناس بعض فصولها على شاشات الفضائيات، وثمة قصص أخرى لم تجد بعد من يتحدث عنها وينشر أخبارها للناس.
لكن أهل غزة على كل ما أصابهم وألم بهم، من موت وقتل وفقد، ودمار لبيوتهم واعتداء على ممتلكاتهم، تراهم قوما صابرين محتسبين، عزائمهم قوية ماضية، تسكن في سويداء قلوبهم روح التحدي والثبات، تسمع النساء المكلومات المفجوعات مع بكائهن على فقد أحبابهن، يتكلمن بلسان أمضى من السيف، يعكس تلك الروح المفعمة بمعاني الصبر والثبات والتحدي، تلك الروح التي تفوح شذاها في أحياء غزة وبلداتها هي من إمداد الله وتثبيته لهم، وربطه على قلوبهم، وهي قوة مستترة لعلها هي المرجحة لكفة أهل غزة على آلة حرب جيش الاحتلال.
شعب غزة أحب المقاومة واحتضن أبطالها، ووفر لهم الحاضنة الاجتماعية الراعية والرافعة، تراهم مع كل جراحاتهم ومصائبهم وجراحاتهم وآلامهم، يعلنون بأعلى أصواتهم أنهم مع المقاومة ومع قياداتها ورجالاتها وجنودها، يحتملون كل ما أصابهم، ويحتسبونه عند الله، ويقفون بشموخ خلف مقاومتهم،التي تواضعت لأبناء شعبها وجعلت خدمتهم عبادة وقربى لله، وهو ما صنع حالة الصمود الأسطوري الذي تعيشه غزة في هذه الحرب المدمرة.
ولئن كان أهل غزة يتألمون ويتوجعون، فإن الصهاينة هم كذلك وأشد، فأهل غزة قد اعتادوا على الألم والأوجاع والفواجع، وأصابتهم المصائب تلو المصائب، وحاصرتهم آلة القتل البطيئة لسنوات متتالية، فما يصيبهم في هذه الحرب ويقع عليهم، قد جربوه وذاقوا مرارته من قبل، وإن كان طعمه في كل مرة حنظلا علقما.
لكن صهاينة اليهود الذين تجمعوا من أصقاع الأرض، طلبا للدعة والراحة والرفاهية، يتجرعون غصص الخوف والهلع والذعر في كل ساعة، وتلاحقهم صواريخ المقاومة في شوارعهم وبيوتهم ومتاجرتهم وأعمالهم، فها هي مدنهم خاوية على عروشها، تخلو شوارعها وأسواقها من مرتاديها، بعد فرارهم إلى الملاجئ، وفق ما تنقله الكاميرات، طلبا للأمن والأمان.
يقول الله تعالى: }وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{ (النساء: 104). هذه الآية تتحدث عن حقيقة قائمة في عالم البشر، فهي تعرض لما تلحقه الحروب بالناس من مصائب وفواجع ومآس، فهي وإن كانت مرهقة للمسلمين ومؤلمة فهي كذلك مرهقة لأعدائهم ومؤلمة، وهذا ما نراه متحققا في العدوان الآثم على غزة، فكما أن أهل غزة يتألمون ويتوجعون، فإن الصهاينة يتألمون على فقد أبنائهم وأحبابهم، ويعيشون حالة من الذعر والفزع أطبقت عليهم من كل جانب.
لكن أهل غزة بإيمانهم ويقينهم، يرجون من الله ما لا يرجوه الصهاينة، يرجون من الله المكانة العالية الرفيعة لشهدائهم في الجنان، والأجور العظيمة لمجاهديهم، ويتطلعون إلى ما عند الله من خزائن العزة والنصر والتأييد فهو سبحانه صاحبها، يعطيها لأوليائه وعباده الصادقين، وقد حكى الله في القرآن صورا من تأييده لعباده الأولين في قوله تعالى: }إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ{ (الأنفال: 11).
فهو سبحانه الذي منّ على رسوله الكريم وأصحابه بالنصر والتمكين، والربط على قلوبهم، وتثبيت أقدامهم، حينما واجهوا أعداءهم، لا يبخل بمنه وكرمه على عباده وأوليائه في كل زمان ومكان، ففضله عظيم، وكرمه جزيل عميم. وإلا فكيف تتم معادلة الاختلال في ميزان القوى بين جيش يمتلك آلة عسكرية رهيبة، ذات قدرات تدميرية مرعبة، جعلته رابع جيش في العالم، وبين آلاف من المقاتلين بأسلحة لا تكافئ تلك الأسلحة ولا توازيها؟
إنه إمداد الله الذي لا ينقطع عن جنده وأحبابه من خلقه، مدد الثبات وإنزال السكينة والطمأنينة على قلوب المجاهدين مع شدة الأهوال، واضطرام النيران، وقعقعة المدافع والصواريخ التي تصم الآذان، وتقطع الأوصال خوفا وهلعا، فتتنزل السكينة على قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا بوعد الله، ويقينا على ما أعده لعباده المؤمنين.
يكتب أبطال القسام، وسرايا القدس وسائر كتائب المقاومة الباسلة، على ثرى غزة فصول ملحمة البطولة والتضحية والفداء، التي تعلم الأجيال دروسا في الشجاعة والثبات والإقدام، في زمن التخاذل والانهزام النفسي، والانبهار بقوة العدو، والاستسلام لمعطيات الواقع الأليم، ليصنعوا واقعا جديدا أعاد للنفوس اليائسة روح الأمل والاستبشار، وقلب المعادلات، وحمل المتخاذلين على مراجعة مواقفهم السابقة، ليلتحقوا بركب المقاومة من جديد. وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.
المحلل الاسرائيلي "يوآف ليمور" : هناك توافق إسرائيلي مصري على أن يكون أبو مازن ضمن أي حل يطرح لغزة بعد انتهاء الحرب، وإسرائيل عززت التعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية لمنع تحول المظاهرات التي اندلعت في الضفة الغربية احتجاجاً على الحرب إلى انتفاضة.