دروس مسجدية (للتربية والتوجيه) (199): بيان كثرة طرق الخير
دروس مسجدية (للتربية والتوجيه) (199): بيان كثرة طرق الخير - دروس مسجدية (للتربية والتوجيه) (199): بيان كثرة طرق الخير - دروس مسجدية (للتربية والتوجيه) (199): بيان كثرة طرق الخير - دروس مسجدية (للتربية والتوجيه) (199): بيان كثرة طرق الخير - دروس مسجدية (للتربية والتوجيه) (199): بيان كثرة طرق الخير
دروس مسجدية (للتربية والتوجيه) (199): بيان كثرة طرق الخير
د. علي العتوم
(عن عَدِي بن حاتم رضي الله عنه, قال: سمعتُ النبي – صلى الله عليه وسلّم – يقول: اتّقُوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ). وفي رواية لهما عنه, قال, (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحدٍ إلاّ سيُكلّمه ربّه ليسَ بينَه وبينه تَرْجُمانٌ, فينظرُ أيمَنَ منه فلا يرى إلاّ ما قدّمَ, وينظرُ أشأمَ منه فلا يرى إلاّ ما قدّمه, وينظر بَيْنَ يدَيْه فلا يرى إلاّ النارَ تلقاءَ وجهه, فاتَّقوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ, فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فبكلمةٍ طيِّبةٍ). متّفق عليه.
انظر رياض الصالحين – الباب الخمسون في الخوف الحديث رقم (404) ص127.
تعليقات:
1. التعريف:
عدي بن حاتم: هو عدي بن حاتم الطائيّ. وأبوه حاتم الجواد المشهور الذي يُضرَب المثلُ بكرمه, ويُكْنَى أبا طَرِيف. أسلمَ العام التاسعَ للهجرة بعد وقوع أُخته سفّانة في أسرِ جيشِ المسلمين, ومن ثَمَّ إطلاق سراحها إكراماً لأبيها الذي كان يُحِبُّ مكارِمَ الأخلاق والتي يُحِبُّها اللهُ. وقد فَرَّ هو من جيش المسلمين لمّا غزاهم في ديارهم لكُرهه الشديد للإسلام وللرسول. ولمّا قَدِمَ رضي الله عنه إلى المدينة استشرفه المسلمون يقولون: عَدِي بن حاتم, عَدِي بن حاتم لشُهرته وشُهرةِ أبيه. ثَبَتَ على الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلّم, فلم يرتدَّ ولم يرتدَّ قومُه. وقد شاركَ في فتح العراق وكان مع خالد لمّا سار إلى الشام مَدَداً للمسلمين هناك. قَدِمَ على عُمَرَ أيّامَ إمارته, فقال له: (أتعرفني يا أميرَ المؤمنين؟! قال: أعرِفُكَ حقَّ المعرفة, كيفَ لا؟! وقد أسلمتَ إذْ كَفَروا, وعرفتَ إذْ أنكروا, ووفيتَ إذْ غدروا, وأقبلتَ إذْ أدبروا)!! ورُوِيَ عنه أنّه كان يقول: (ما دَخَلَ عليَّ وقتُ صلاةٍ, إلاّ وأنا مشتاقٌ إليها). كان سيِّداً شريفاً مُعظَماً في قومه وغيرهم, حاضِرَ الجواب. ذُكِرَ أنّه كان يَفُتُّ الخُبْزَ للنّمل ويقول: (إنّهنَّ جاراتٌ ولهنُّ حقٌّ) أرسلَ إليه الأشعث بن قيس يستعيرُ قُدُورَ أبيه حاتم, فأرسلَها إليه ملأى, فقال الأشعث: لقد أردناها فارِغة, فأرسلَ إليه عَدِي: إنّا لا نُعيرها فارِغة)!! كان مع علي في صِفِّين. تُوفِّيَ (67) للهجرة رضي الله عنه.
2. المعاني:
اتّقوا النارَ: تعفادُوا دخولها بالصدقة ولو بنصف حبّة تمر. ترجمان: وسيط بين المتحادثين, ينقل إلى كُلِّ منهما كلامَ الآخر. بين يدَيْه: أمامَه. تلقاءَ وجهه: قُدّامه. كلمة طيِّبة: كلمة نديّة مُؤنِسة.
3. ما يستفاد من الحديث:
أ. أهمية الصدقة, فهي الباب إلى دخول الجنّة, إنْ كانت في سبيل الله ولوجهه الكريم.
ب. كلام الله للعبدِ غداً يومَ القيامة, نوعٌ من تقريره بفضله سبحانه عليه, وبحُكمه هو على نفسه, إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شرّاً فشرٌّ.
ج. لا ينفعُ الإنسانَ غداً في عَرَصاتِ الحساب إلاّ عمله الصالح وبرحمة الله, فالتّمرة يتصدَّق بها, والكلمة الخيِّرة تنطلق من فَمِ صاحبها, والسعي بين المتخاصمين لإصلاح ذاتِ البَيْن هي وأمثالها الأمور المُنْجِيَة من نار جهنّم وسعيرِها برحمة الله.
د. الإنسانُ في هذه الحياة لم يُخْلَق عبثاً, إنّما خُلِقَ ليكونَ خليفةَ اللهِ في الأرض. يعمرُها بأمره ويُقضِّيها بطاعته وعبادته, لأنّه صاحب الفضل الأول والأخير عليه من خلقه ورزقه وهدايته.
روائع العوائد من بدائع "الفوائد" لابن قيِّم الجوزية (1)
روائع العوائد من بدائع "الفوائد" لابن قيِّم الجوزية (1) - روائع العوائد من بدائع "الفوائد" لابن قيِّم الجوزية (1) - روائع العوائد من بدائع "الفوائد" لابن قيِّم الجوزية (1) - روائع العوائد من بدائع "الفوائد" لابن قيِّم الجوزية (1) - روائع العوائد من بدائع "الفوائد" لابن قيِّم الجوزية (1)
روائع العوائد من بدائع "الفوائد" لابن قيِّم الجوزية (1)
د. علي العتوم
(1)
حكم ووصايا وتفسير آيات
ابن قيِّم الجوزية هو الإمام شمسُ الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الزَّرْعي الدمشقي (691 – 751هـ). كان والده قيِّماً على المدرسة الجوزية في دمشق, فنُسِبَ إليها. من أساتذته تقي الدين بن تيمية, وقد سُجِنَ معه وأُوذِي كثيراً بسبب سيرِه على نهجِه. ومن تلامذته ابن كثير. له عدّة مؤلّفات منها زاد المعاد في هَدْيِ خير العباد, ومدارج السالكين, وهذا الكتاب (الفوائد). حجَّ عدّة مرات, وقال فيه ابن حجر: (كان جريءَ الجَنان واسِعَ العلم).
سمعتُ يوماً أحد أصحابي ينقلُ من كتابه الفوائد هذا, عبارةً حكيمةً راقَتْني, فطلبتُ الكتاب فقرأتُه, وأحببتُ أنْ يكون مضمونُه مدارَ مقالَيْن في صحيفة السبيل. وهو - كما عند محقِّقه السيد محمد عبد القادر الفاضلي – يدور حول ثلاثة موضوعاتٍ, هي: الحِكَمُ والوصايا, وتفسير بعض الآيات القرآنية, والرقائق والزُّهديّات. وسيتناول المقال الأول الحديث عن الحكم والوصايا وجزءاً من تفسير بعض الآيات. ومعلومٌ أنَّ الكتابَ صدرَ عن المكتبة العصرية, صيدا – بيروت سنة 1422هـ. وسيكون كلامي في المقالَيْن, مقتطفاتٍ من هذا البحر الزاخر بفوائده البديعة وبدائعه الرائعة, رحمه الله.
في مجال الحِكَم والوصايا أوَّلَ ما يتوجّه الحديثُ منها عن الدنيا, إذْ هي عندَه (معبر وممرّ لا دار مُقامٍ ومُستقرٍّ, وأنّها دارُ عبورٍ لا دارُ سرورٍ, وأنّها سحابة صيفٍ تنقشع عن قليلٍ, وخيالُ طيفٍ ما استتمَّ الزيارةَ حتَّى آذَنَ بالرحيلِ). ولذلك لا تُطلَب لذاتها, إنّما لكونها طريقاً للآخرة. يقول, مؤكِّداً على قوله السابق: (الدنيا مجازٌ, والآخرةُ وطنٌ, والأوطارُ إنّما تطلب في الأوطان). ومن هنا يجبُ أنْ لا تصرِف الإنسانَ دنياهُ عن آخرته, لأنها كما يقول جيفةٌ (والأسدُ لا يقعُ على الجِيَف)!! ولذا عليه حتى يفوزَ بالآخرة أنْ يهتمَّ بوقته, لأنَّ إضاعتَه أشدُّ عليه من الموت, فَـ (إضاعتُه تقطعُكَ عن اللهِ والدار الآخرة, والموتُ يقطعُكَ عن الدنيا وأهلها). ولْيحرَصِ الإنسانُ على التحرُّز من الذنوب أنَّى صَغُرَتْ, لأنها كما يقول جراحاتٌ (ورُبَّ جُرْحٍ وَقَعَ في مقتلٍ)!!
ويرسُمُ ابن القيِّم للوقتِ على مدى سنة: شهوراً وأيّاماً وساعاتٍ ولحظاتٍ صورةَ الشجرة: فروعاً وأغصاناً وأوراقاً وثماراً, فإنْ قضَّيْتَه بالعمل الصالح كانت شجرةً طيِّبةً في كُلِّ شيءٍ, وإلاّ كانت علقماً وحنظلاً في كُلِّ شيءٍ أيضاً. يقول رحمه الله: (السَّنَةُ شجرةٌ والشهورُ فروعُها, والأيّامُ أغصانُها, والساعاتُ أوراقُها, والأنفاسُ ثَمَرُها. فمَنْ كانت أنفاسُه في طاعةٍ فثمرةُ شجرته طيِّبةٌ, ومَنْ كانت في معصيةٍ فثمرته في حنظلٍ, وإنّما يكون الجَدادُ – القِطاف – يومَ المَعاد, فعندَ الجَداد يتبيَّن حلوُ الثمارِ من مُرِّها).
ولا بُدَّ للمسلم من علمٍ في أمور دينه حتى يكون على بيِّنةٍ. وهذا العلم ينبني أساساً على قول الله الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يدَيْه ولا من خلفه, وقولِ رسولِه الذي لا ينطقُ عن الهوى. إنّه علمُ اليقين بالله, لا علمُ التشكيك به وبأسمائه وصفاته كما يفعل المُعَطِّلَةُ. يقول في هذا الشأن:
العِلْمُ قالَ اللهُ قالَ رسولُهُ
قالَ الصَّحابَةُ لَيْسَ بالتَّمْوِيهِ
ما العِلْمُ نَصْبَكَ للخِلافِ سفاهَةً
بَيْنَ الرَّسُولِ وبَيْنَ رأيِ فقيهِ
كَلاّ ولا جَحْدَ الصِّفاتِ ونَفْيَها
حَذَراً من التَّمْثِيلِ والتَّشْبِيهِ
هذا العلم هو الذي يؤدِّي إلى الإيمان, ومن ثَمَّ إلى اليقين الذي هو كُنْهُ الإسلام وحقيقته. يقول: (فالإيمانُ قلبُ الإسلام ولُبُّه, واليقينُ قلبُ الإيمانِ ولُبُّه. وكُلُّ علمٍ وعَمَلٍ لا يزيدُ الإيمانَ واليقينَ قوّةً فمدخولٌ, وكُلُّ إيمانٍ لا يبعثُ على العملِ فمدخولٌ).
ومع الإيمان الوثيق بالله واليقين الخالص اللذين يُؤدِّيان إلى العلم به والعمل له سبحانه, لا محيصَ للمسلم عن احتقاب الصبر, وهو يقطعُ الطريق في حياته إليه تعالى, لأنَّ مِلاكَ كُلِّ ذلك – كما يقول – الصبرُ (فإنّه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد, فإذا قُطِعَ الرأسُ فلا بقاءَ للجسد). والصبرُ يعني هنا تحكُّمَ العقلِ في نوازِعِ الإنسانِ وميولِه, إذْ – كما يقول -: (لو خَرَجَ عقلكَ من سلطان هواكَ عادتِ الدولةُ له), وإلاّ كانت الدولة للشهوات والأهواء, إذْ - كما يقول -: (إنْ غَلَبْتَ شهوتَكَ وهواكَ زِدْتَ على منزلة مَلَكٍ, وإنْ غَلَبَكَ هواكَ وشهوتُكَ نَقَصْتَ عن مرتبة كلبٍ)!! وعندها ليس إلاّ الجاهلية التي كما يقول: (كُلُّ ما خالَفَ ما جاءَ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم, إذْ هي منسوبة إلى الجهل, وكُلُّ ما خالَفَ الرسول فهو من الجهل).
ومن وصاياهُ التزهيدُ بالدنيا, يقول: (دَعِ الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرةَ لأهلها. وكُنْ في الدنيا كالنحلة إنْ أَكَلَتْ أَكَلَتْ طيِّباً, وإنْ أطعَمَتْ أطعَمَتْ طيِّباً, وإنْ سَقَطَتْ على شيءٍ لم تكسرْه ولم تخدشْه). وتشبيهه الدنيا بسوقٍ تقومُ وسرعان ما تنفضّ, فلْتُهتَبَلِ الرياحُ فيها قبلَ أنْ لا يكون هناك مجالٌ لبيع أو شراء. يقول: (اشترِ نفسكَ اليومَ, فإنَّ السوق قائمة, والثمنَ موجودٌ والبضائِعَ رخيصةٌ, وسيأتي على تلك السوق والبضائع يومٌ لا تصلُ فيه إلى قليلٍ أو كثيرٍ وذلك يوم التغابن), (يومَ يَعَضُّ الظالِمُ على يَدَيْهِ, يَقُولُ: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سبيلاً).
ومنها استشهادُه بكلام عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (كونوا ينابيعَ العلمِ, مصابيحَ الهُدَى, أحلاسَ البيوتِ, سُرُجَ الليلِ, جُدُدَ القلوب, خُلقانَ الثيابِ, تُعرَفُون في السماء, وتَخْفَوْنَ على أهل الأرض). ثُمَّ يُوصِينا بعد بناء حصن الإيمان وتقويته أنْ نتعاهَدَه كُلَّ حينٍ بالصيانة والعناية, حَذَراً من الشيطان أنْ يخترقه إلينا بأية وسيلة. يقول: (ثُمَّ تعاهَدْ بناءَ الحصن كُلَّ وقتٍ, فإنَّ العدوَّ إذا لم يطمعْ في الدخول من الباب, نَقَّبَ عليك النُّقُوبَ من بعيدٍ بمعاوِل الذنوب, فإنْ أهملتَ أمرَه وصلَ إليكَ النَّقب, فإذا العدوُّ معك في داخل الحصن, فيصعُب عليكَ إخراجه, وتكون معه على ثلاث خِلالٍ: إمّا أنْ يغلِبَكَ على الحصن ويستولِيَ عليه, وإمّا أنْ يُساكِنَكَ فيه, وإمّا أنْ يشغلَكَ بمقابلتِه عن تمام مصلحته)!!
أما الموضوع الثاني وهو ما يتعلّق بتفسيره لبعض آيات القرآن الكريم, فسأختار منها بعض الشواهد التي تتعلّق بقضية الإيمان وعلاقة الإنسان بربّه فيها. فمن ذلك قوله تعالى في سورة الأنفال: (يا أَيُّها الذينَ آمنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وللرَّسُولِ إذا دعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ, واعلَمُوا أنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المرءِ وقلبِهِ), فيُفسِّر ذلك مُستشهداً بكلام الواحدي, إذْ يقول: (الأكثرونَ على أنَّ معنى قوله "لِمَا يُحيِيكم هو الجهاد", وهو قول ابن إسحق واختيار أكثر أهل المعاني. وقال الفرّاء: إذا دعاكم إلى إحياء أمركم بجهاد عدوِّكم, يُريد: إنّما يقوى بالحرب والجهاد, فلو تركوا الجهاد ضَعُفَ أمرُهم واجترَأَ عليهم عدوُّهم). وفي تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: (وعَسَى أنْ تكرَهُوا شيئاً وهو خيرٌ لَكُمْ, وعَسَى أنْ تُحِبُّوا شيئاً وهو شَرٌّ لَكُمْ, واللهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تعلمونَ), يقول: في هذه الآية (عدّةُ حِكَمٍ وأسرارٍ ومصالِحَ للعبد, فإنَّ العبدَ إذا عَلِمَ أنَّ المكروهَ قد يأتي بالمحبوبِ, والمحبوبَ قد يأتي بالمكروهِ, لم يأمَنْ أنْ توافِيَه المضرَّةُ من جانب المسرَّة, ولم يَيْأَسْ أنْ تأتيَه المسرَّةُ من جانب المضرّةِ لعدمِ علمه بالعواقب, فإنَّ اللهَ يعلمُ منها ما لا يعلمه العبدُ).
وفي مسألة تصرُّمِ الدنيا, وأنّه لا بُدَّ من التحوُّل عنها للآخرة, كما يقول تعالى في سورة المُلْك: (فامْشُوا في مَناكِبِها, وكُلُوا من رِزْقِهِ وإليهِ النُّشُورُ), يقول: نَبَّهَ اللهُ بقوله: (على أنَّا في هذا المسكن غيرُ مستوطنين ولا مُقيمين, بل دخلناه عابري سبيلٍ, فلا يَحْسُنُ أنْ نتَّخذه وطناً ومستقرّاً, وإنّما دخلناه لنتزوَّدَ منه إلى دار القرار, فهو منزلُ عبورٍ لا مستقرٍّ وحبورٍ, ومعبرٌ وممرٌّ لا وطنٌ ولا مستقرٌّ), كما أشار إلى ذلك في حديث سابق من حِكَمِه ووصاياه.
وقد تعرَّضَ في هذا الحيِّز وهو حيِّز الحياة الدنيا إلى موضوع الابتلاء, وأنّه لا بُدَّ للإنسان من الامتحان بإصابته بما يُؤلِمه ويُؤذيه ويكرُبُه, ذاكَ الذي لم ينجُ منه حتى الأنبياءُ, فقال تعليقاً على قوله تعالى بشأن الرسل في هذا الخصوص: (كذلك ما أَتَى الذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رسولٍ, إلاّ قالُوا: ساحِرٌ أو مجنونٌ) في سورة الذاريات, وأنَّ رجلاً سألَ الشافعي في هذا الشأن, فقال: (يا أبا عبد الله, أيُّهما أفضلُ للرجل, أنْ يُمَكَّنَ أو يُبْتَلَى؟! فقال الشافعي: لا يُمَكَّنُ حتَّى يُبْتَلَى, فإنَّ اللهَ ابتلى نوحاً وإبراهيمَ وموسى وعيسى ومحمّداً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, فلمّا صبروا مَكَّنَهم), ويُعلِّق ابن القيِّم على هذا بقوله: (فلا يَظُنَّ أحدٌ أنْ يَخْلُصَ من الألم البتَّةَ) مؤيِّداً قولَ الشافعي.
وما دامَ الإنسانُ مخلوقاً غيرَ مستقرٍّ في الأرض, وأنّه خُلِقَ لعبادة ربِّه, وأنّه لا بُدَّ أنْ يُبتَلَى ويُختَبَر ليُمحَّصَ إيمانُه فما تفسيرُ قوله تعالى لرسوله, أنْ يقول لعباده في سورة يونس: (قُلْ: بِفَضْلِ اللهِ وبِرَحْمَتِهِ فبذَلِكَ فلْيَفْرَحُوا, هُوَ خيرٌ مما يَجْمَعُونَ)؟ فقال: (قد تنوَّعَتْ عباراتُ السَّلف في تفسير الفضل والرحمة, والصحيح أنّهما الهُدَى والنعمة. ففضلُه هُداهُ, ورحمتُهُ نعمَتُهُ. ولذلك يَقْرِنُ بين الهُدَى والنعمة, كقوله تعالى في الفاتحة: "اهدِنا الصِّراطَ المُستَقِيمَ * صِراطَ الذينَ أنعمْتَ عليهِمْ").
ومن ذلك تفسيرُه لقوله تعالى في سورة الأنعام: (وكذلِكَ فَتَنّا بعضَهُمْ ببعضٍ, لِيَقُولوا: أَهؤلاءِ مَنَّ اللهُ عليهِمْ مِنْ بَيْنِنا)؟! ذلك عن مشيئته تعالى للعباد بالإضلال, وأنَّ عِلَّةَ ذلك أنَّ هؤلاء العِباد لم يتَّخذوا من السُّبُل ما يقرّبهم إليه سبحانه, فيقول: (فإذا قضى اللهُ على هذه النفوس بالضلال والمعصية, كان ذلك محضَ العَدْلِ, كما إذا قضى على الحيَّة بأنْ تُقْتَلَ وعلى العقربِ والكلبِ العقورِ, كان ذلك عدْلاً منه, وإنْ كان مخلوقاً على هذه الصفة). ولذلك ذَكَرَ بعدَ أنِ استكمَلَ الآية السابقة من الأنعام (6/53), وهي قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللهُ بأعلَمَ بالشّاكِرِينَ)؟! الآيةَ التي في سورة الأنفال (8/23) وهي قوله تعالى: (ولو عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خيراً لأَسْمَعَهُمْ).
يتبع ...
التراص في الصلاة - التراص في الصلاة - التراص في الصلاة - التراص في الصلاة - التراص في الصلاة
التراص في الصلاة
الأحد 5/يوليو/2020
د. . علي العتوم
وجَّهنا الرسولُ – صلى الله عليه وسلّم – أنْ تتراصَّ صفوفُنا في الصلاة, وألاّ تختلفَ فتختلفَ قلوبُنا ونتفرَّق, وأنْ يكون التراصُّ تامّاً, وكما يقول أهل الحساب مئةً بالمئة, حتّى لا نجعلَ للشيطان فُرجةً فيها يدخل منها إلى نفوسنا فيُوسوس لنا بالسوء.
ونحن مطلوب منّا ألاّ نُطيع هذا الشيطان, لأنّه أعدى أعدائنا ولأنّه وسواسٌ إذا عَصَيْنا أوامرَ الله وخنّاسٌ إذا كَفَفْنا عن ذلك, ولكنَّ المسلمينَ اليومَ في بلدنا الطيِّب هذا - وقد يكونونَ في غيرِه - مأمورونَ بتباعد الصفوف في الصلاة بالمساجد تباعداً ملحوظاً, تفادياً – على رأيهم - أنْ يصيبنا وباء (كورونا) بمسِّه. فمَنْ نُطيع عندها: أرسولَنا الذي طاعته من طاعة الله وأمره من أمره, أمْ أمرَ الناسِ أنّى عَلَتْ منازلهم الدنيوية, وخاصّةً أنَّ أمرَ الرسول ومن قبلُ أمرَ ربّه, قطعيُّ الفائدة لنا في دنيانا وأُخرانا, وأمرَ أهل الدنيا غالباً, على الظنّ والتوقُّع, أو الهجسِ والحدسِ؟!
إنّنا ابتداءً – كما قلتُ في مقالٍ لي بدايةَ انتشار هذا الوباء وما زلتُ أقول –: نحن المسلمين عامة وخاصّة, نحترم العلم والعلماء, ونحترم مخرجات أبحاثهم, ومع القول المحفوظ: درهمُ وقاية خيرٌ من قنطار علاج, ونحترم أهل الاختصاص في العلوم الشرعية وغيرِ الشرعية. ونحترم كذلك التوجيهات الصادرة من المسؤولين, إذِ التزمنا بها منذ بداية صدورها, وقد غبرَ عليها حتّى الآنَ أكثرُ من ثلاثة أشهر.
غيرَ أنّنا نشعرُ مع كُلِّ هذا, أنَّ الأمر قد طالَ وخاصّةً أنّنا ما زلنا نسمع أنَّ مثل هذه التوجُّهات - ولو في أمورٍ قد تُعَدُّ جزئية عند بعضهم, بعدَ أنْ رُفِعَ ذلك الحظر عن الصلاة في المساجد – ما زالت تتوالى بالتباعد في صفوف الصلاة في بيوت الله التي يشعرُ المسلم بكُلِّ تأكيدٍ, أنّه بصلاته فيها على تلكَ الصورة مخالِفٌ لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالتراصّ, مع إخوانه المسلمين, بل بالتلاصق والتلاحم: الكعابُ على الكعابِ والرُّكَب بالرُّكب, والأكتافُ بالأكتافِ, وهكذا ...
لقد صلَّينا أيامَ الحظر في المساجد, في بيوتنا مع أهلنا من زوجاتٍ وبنين وبنات وكنّاتٍ وأحفادٍ. وصلى غيرنا كذلك طوالَ رمضان وغيره حسبَ السُّنّة النبوية وما شعرنا – والحمد لله – إلاّ بخيرٍ وراحةٍ بتلازمِ صفوفنا, الرجالُ مع الرجال والنساءُ مع النساء. فلماذا لا نخشى ولا يخشى غيرُنا من أولي الأمر هنا شيئاً, ويخشَوْنه أو نخشاه في المساجد, حتّى لكأنَّها أضحتْ في عيوننا وفي نفوسنا – حسب هذه التعليمات – مظنّةَ بؤرٍ للوباء.
وهي بيوتُ الله المفروض فيها أنْ تُطهِّرنا إنْ كان فينا من الأوبئة المادية والنفسية شيءٌ أو أشياءُ. ومعلومٌ أنَّ المساجدَ كما جاء في الحديث, خيرُ البلاد.
هذا بينما نرى الناسَ في غيرِ المساجد, بالشوارع والمتاجر والأسواق يزدحمونَ, وقد يتماسُّونَ ويتلازقونَ لسببٍ أو لآخر, وخاصّةً في الأسواق التي هي – كما جاء في الحديث الصحيح -: شرُّ البلاد, لأنّ فيها الهَيْشاتِ والصياحَ والهَيْطَ والمَيْطَ والحلفَ الكثيرَ بغيرِ الله من الأيمان الغموسَة, ومع ذلك لا يُمنَع التجمُّع فيها أو يُحظَر, كما لا يصيب الناسَ فيها – طبعاً بحمد الله وفضله – شيءٌ مما يُكرَه, ونحن بدورنا ندعوه سبحانه أنْ لا يُصيبهم شيءٌ من ذلك, فهم إخواننا, يعزُّ علينا أنْ يشتاكوا بشوكةٍ!!
إنَّ الإسلامَ أمرنا بالجماعة في المسجد وخارجه, لأنَّ في الجماعة وحدةً وفي الوحدة قوّة. فإذا جَمَعْنا تفرُّقَنا الجديدَ في المساجد إلى تفرُّقِنا القديم المُزمن خارجَه, فذلك داءٌ على داءٍ, وأنّنا نحن الذينَ نتسبَّب به أو نساهِمُ في إيجاده, ولو بشكلٍ ظنين أو غير مباشر. وهذا مما لا يليقُ بنا لا عند الله ولا عند أنفسنا, وخاصّةً إذا حَكَّمْنا في المسألة قلوبنا وعقولنا, وقارنّاها بحال الناس المتقدِّمين – على الأقل – في واقع الحياة في هذه العصور. إنَّ الجماعةَ التي حثّنا عليها الإسلامُ في المسجد في شأن الصلاة, وأنّها حينئذٍ تعدِلُ من صلاة الفرد أو الفذّ في بيته خمساً وعشرين درجة أو سبعاً وعشرين لا تتوفَّر, لأنَّ الصفَّ فيها متفرِّق والجماعة فيها بهذه الصورة لا تتحقّق.
إنّنا بهذه الصلاة في المساجد لسنا جماعةً, وإنّما كَمٌّ مُشاهَد وجَمْعٌ مُعيَّن, ولكنّه متنادٌّ ومتباعِد, ونخشى أنْ يصدقَ علينا فيه ونحن آمرونَ به وراضونَ, وصفُ السائمة التي لم تشذَّ عن جمعها وعن راعيها شاةٌ واحدةٌ أو شياه, بل كُلُّ الشياه, كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يأكُلُ الذئبُ من الغنمِ إلاّ القاصيةَ). فنحن بهذا التفرّق والتباعد نُسْلِمُ أنفسنا وبِمَلْكِنا لا لذئبِ الغاب, بل لذئبِ الإنسان وهو الشيطان, والعياذُ بالله.
وإنَّ من هذه الأمور التي فيها نظرٌ كبيرٌ في التعليمات الرسمية للقائمين على أمرِ المساجد, تقصيرَ المُدّة وتقزيمَها بين الدعاء إلى الصلاة وإقامتها, وذلك باختزالها بخمس دقائق أو ما يزيد قليلاً, وكذلك مُدّة الخُطبة بعشر دقائق, وخاصّةً أنَّ الخطبة قد آضَتْ عندنا مكتوبةً للخطباء, وهو مما لا يُرتاح له, إذْ هو مصادرة لأفكار الخطيب ونوعٌ من عدم الثقةِ به رائداً في مسجده أو قائداً في حيّه أو معلِّماً لجمهوره.
فأطلب وباسم كُلِّ إنسانٍ صاحب رأيٍ ونظرٍ لوجه الدِّين ثُمَّ لمصلحة المواطنين, أنْ يُعادَ النظرُ في التباعد في صفوف المُصلِّينَ بالمساجد, ويُعمَدَ إلى التوسعة في أوقات انتظار الصلاة. فالمؤمنُ في الانتظار هو في صلاةٍ, وإلى رفعِ اليدِ عن الأئمة في شأن الخُطبة, فلْيختاروا هم ما يشاؤون من موضوعات بما لا يخرج عن دائرة الدِّين الحنيف.
فإذا لم يُعَدِ النظرُ في ذلك, فأين الديموقراطية التي يُنادي بها المسؤولونَ, ولا يفتؤون يردِّدونها متفاخرين؟! مع أنَّ هذه الخُطَب أصلاً حتّى وإنْ كُتِبَتْ وأُملِيَتْ تفتقر إلى السلامة في الأداء شكلاً ومضموناً. فالأخطاء اللغوية والفكرية كَثُرَتْ على الحضور, ولاسيّما الواعينَ منهم أو الفاقهينَ والمثقّفينَ, ولو كانوا بأدنى الأعداد. فإنَّ قذاةً واحدةً تُؤذي العين, وأذاةً واحدة تُخبِّثُ وجه الماء. ومما أُطالب به بكل قوّةٍ العدولُ السريعُ عن حجب المصاحف أو حجرِها, بل حبسها في خزائنها ورفوفها عن المصلِّينَ, وكأنّها كتب مشبوهة هي الأُخرى أو موبوءة. نستغفر اللهَ ونعوذُ به!!
وإنّني لأُطالب بالدعوة إلى اجتماعٍ يتنادى له علماء البلد الشرعيُّونَ, ينظرونَ في مثل هذه الفتاوى في الدِّين, وحُكمِ الشرع بشأنها, والحَظْرِ في الصلاة في المساجد, حتى ولو كانَ أمراً سابقاً والمؤذِّنُ يُنادي: (حيَّ على الصلاة, حيَّ على الفلاح) وهي دعوةٌ لكُلِّ سامعٍ رجلاً كان أمِ امرأة, صغيراً أمْ كبيراً, مفرداً أمْ جمعاً, وقد طال أمر الحظر فيه يومئذٍ, وفي أمر التباعد, بل إملاء الخطبة كي يصلوا إلى رأيٍ وازنٍ فيها, ثُمَّ يجتمعوا إلى ثُلّةٍ واعية من أهلِ الاختصاص العلميّ فيَجْمَعوا إلى النظرِ الشرعي النَّظَرَ الصحّي بما لا يُجارُ فيه على أمرِ الدِّين ولو بقشّة, لأنَّ الدِّينَ معناه الطريق إلى مرضاة الله, وهو مما يجب أنْ يُستَمَعَ إليه قبلَ غيرِه ويُتَّبَع ولا يُخالَف قِيدَ أُنملة.
وإنّني - أيها العبدُ الفقير إلى رحمة الله - بذلك ناصحٌ وداع إلى الإصلاح وأرجو أنْ لا أصلَ وإيّاكم أيها القوم – لا سمحَ الله – إلى دريد بن الصمّة لقومه:
أمرتهم أمري بمنعَرَجِ اللِّوى
فلمْ يستبينُوا الرُّشْدَ إلاّ ضُحَى الغَدِ
الأيّام العشر من ذي الحِجّة - الأيّام العشر من ذي الحِجّة - الأيّام العشر من ذي الحِجّة - الأيّام العشر من ذي الحِجّة - الأيّام العشر من ذي الحِجّة
الأيّام العشر من ذي الحِجّة
د. عبدالله الناصر حلمى
العشر من ذي الحِجّة هي الأيّام العَشر الأولى منه، وتُعَدّ من أعظم الأزمنة والأوقات؛ فقد فضّلها الله وأَفردَها عن غيرها من الأوقات، ومَيّزها عن أوقاتٍ أخرى بالعديد من الفضائل والميّزات؛ شَحذاً للهِمَم والعزائم، وسَعياً إلى زيادة الأجور والحَسنات؛ إذ تجتمع فيها أمّهات العبادات؛ من صلاةٍ، وصيامٍ، وحجٍّ، وغيرها، ولا يكون ذلك في غير العَشر من أيّام السنة، وقد بيّن العلماء أنّ أيّام العشر من ذي الحجّة أفضل من الأيّام العشر الأخيرة من شهر رمضان، أمّا ليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان فهي أفضل من ليالي العَشر من ذي الحِجّة.
قال تعالى: {وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2]، قال ابن كثير رحمه الله: "المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم". عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما العمل في أيّام أفضل في هذه العشرة»، قالوا: ولا الجهاد، قال: «ولا الجهاد إلاّ رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء». (رواه البخاري).
قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [الحج:28]، قال ابن عباس وابن كثير يعني: "أيام العشر".
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيّام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد». (رواه الطبراني في المعجم الكبير).
كان سعيد بن جبير رحمه الله إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدَر ُ عليه. (الدارمي). قال ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أنّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره".
وفاة الداعية الكبير الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - وفاة الداعية الكبير الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - وفاة الداعية الكبير الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - وفاة الداعية الكبير الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - وفاة الداعية الكبير الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق
الشيخ الحويني يحاور الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - الشيخ الحويني يحاور الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - الشيخ الحويني يحاور الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - الشيخ الحويني يحاور الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - الشيخ الحويني يحاور الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق