أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض - أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض - أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض - أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض - أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض
الدكتور راجح السباتين
أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض
لقد اختلف العلماء المعاصرون و الأساتذة الذين كتبوا في موضوع الأديان و الفرق و المذاهب غير الإسلامية في مسألة من هو أول من رفع شعار ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) ... و الأرض المقصودة هنا هي فلسطين المباركة ( أو أرض الميعاد كما يسميها اليهود ومن والاهم من بعض طوائف الإنجيليين و البروتستانت ) و الشعب المقصود هنا هو اليهود (أو شعب الله المختار كما يسمون أنفسهم هم و من والاهم من الطوائف المذكورة أعلاه )... و بعد طول دراسة في هذا الموضوع أراني وقفت على النتائج التالية :
أولا : كان أول من رفع شعار ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) في بريطانيا رجل الدين الأصولي المتطرف زعيم حزب الإنجيليين ( أنتوني آشلي كوبر )المشهور بلقب ( لورد شافتسبري السابع ) وذلك عام (1843) وقد كان هذا اللورد عضوا في البرلمان البريطاني ... و قد سانده في رفع هذا الشعار البغيض و الدعوة إلى تطبيقه ( اللورد بالمرستون ) وقد كان هذا الأخير وزيرا لخارجية إنجلترا ثم أصبح فيما بعد رئيسا لوزرائها...
و بعد هذين الأصوليين قام الكاتب الكوميدي البريطاني الشهير ( إسرائيل زانجويل ) برفع هذا الشعار و نادى بتحقيقه على أرض الواقع . و لا تفوتني هنا الإشارة إلى أن هذا الزانجويل المولود عام (1864) كان من أشهر الأقلام التي كرست نفسها لخدمة الصهيونية في التاريخ البريطاني الطويل...
لست في معرض الرد على مضمون هذا الشعار التوراتي الزائف المزور في هذه المقالة لكنني أذكر القارئ الكريم بأن عدد سكان فلسطين المباركة الغالية بلغ في العام (1878) ما يقارب (689000) نسمة حسب التقديرات العثمانية الرسمية آنذاك ... كما بلغ هذا العدد السكاني الفلسطيني (2,1) مليون نسمة حسب الإحصاءات البريطانية عام (1948/عام الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المباركة).
ثانيا : كان أول من رفع شعار ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) في أمريكا المبشر الإنجيلي المتطرف ( وليام بلاكستون ) ؛ ذلك أن هذا الرجل أراد أن يختبر بنفسه مقاصد الله كما يتصورها، فقام برحلة إلى فلسطين حاّجاً إلى الأرض المقدسة برفقة إبنته، وهناك وصف الحال بقوله [إنّ ما يراه في فلسطين هو شذوذ. فكيف تُرِكت هكذا أرض بغير شعب، بدلاً من أن تُعطى لشعب بغير أرض]
يُستفاد ممّا سبق أنّ الإرتباط ما بين الصهيونية و الإنجيلية والبروتستانتيّة كان ارتباطاً وثيقاً تماماً كإرتباط أعضاء الجسد الواحد منذ الميلاد. كيف لا والعقل الذي يحركهما ويتحكم فيهما واحدٌ؛ آلا وهو الأساس التوراتي. وكانت الروح المنفوخة فيهما روحاً واحدةً في جسدين. نعم، لقد كانت إسرائيل هي الروح التي تضربُ بجذورها هناك على التربة الأمريكيّة ولم يكن من المستغرب أبداً أن تسارع الحكومات الأمريكية لدعم مقّررات مؤتمر بازل الصهيونيّ ومن بعده وعد بلفور فقد كانت متعايشة مع الصهيونية بل راعيةً لها وهي التي وُلدت على أرضها فكانت ذات أسبقيّةٍ في ذلك فكانت موافقة الرئيس الأمريكي "وودور ولسن" على وعد بلفور دونما شروط وأخذ خلفاؤه في الرئاسة يُلزمون أنفسهم بالموقف الصهيوني بطريقةٍ أو بأُخرى... "وأظهر الرؤساء الجمهوريون الثلاثة الذين خلفوا ولسن ـ وارن هاردنج وكالفن كولدج وهربرت هوفر ـ نفس المشاعر التي كان يبديها سلفهم الديمقراطي، وقد عبر الرئيس هاردنج عن موقفه بوضوح في الأول من يونيو عام 1921 [يستحيل على من يدرس خدمات الشعب اليهودي ألاّ يعتقد أنهم سَيُعادون يوما إلى وطنهم القومي التاريخي، حيث يبدأون مرحلة جديدة، بل مرحلة أكبر، من مساهمتهم في تقديم الإنسانية]
ولربّما يعترضٌ مُعتِرضٌ فيقول: إنّ مواقفَ الساسة الأمريكيين والرؤساء السابق ذِكرهم لا تعبَّرُ بالضرورة عن قناعات معظم الشعب الأمريكي؟؟ فأقول ردّاً على ذلك: إن كانت مواقف الرؤساء لا تعبَّرُ بالضرورة عن قناعات ومواقف الشعب الأمريكي فإنّ مواقف "الكونغرس" بشقيّه "الشيوخ" و"النواب" تعبّرُ حتماً وبكلَّ صراحةٍ عن مواقف الشعب الأمريكي وقد سَارع الكونغرس (وهو الممثل الحقيقي لنبض الشارع الأمريكي) إلى تأييد وعد بلفور بشكل صريحٍ وعلني ووافق جميع أعضاء مجلس "الشيوخ" و"النواب" على الوعد بالإجماع وذلك في جلسته التي عُقدت في شهر تموز من عام 1918 أي بعد إعطاء الحكومة البريطانية الوعد بثمانية شهور فقط حيث كان تاريخ إصدار الوعد يوم الثاني من تشرين الثاني 1917م. وقد كانت إجابات أعضاء "الكونغرس" صهيونيةً في أسلوبها ومضمونها، وقد استشهد كثيرٌ منهم بالعهد القديم العبراني، واقتبسوا نبوءاتٍ توراتّيةً لِيُظهروا أنّ اليهود "سيصبحون الشعب الحاكم في فلسطين" كما دعا آخرون إلى إقامة دولةٍ يهودية، وطالبوا بأنْ تقومَ حكومةُ الولايات المتّحدة بإتخاذ عملٍ ينسجمُ مع وعد "بلفور" والفقرة التالية المقتبسة تمثل عيّنةً من صهيونية الكونغرس المبكرة:
[كما خلَّصَ موسى الإسرائيليين من العبودية، فإن الحُلفَاء الآن يُخلَّصون يهوذا من أيدي الأتراك القبيحين، وهي الخاتمة الملائمة للحرب العالميّة هذه. إنَّ يهوذا يجبُ أن تقومَ كأمّةٍ مُستقلّةٍ وتكونَ لها القّوةُ لتحكم نفسها وتتقدَّم وتُكملَ مثاليّاتها في الحياة. إنّني أحسُّ أنّني أعبَّرُ عن أفكار الشّعب الأميركي، وبالتأكيد عن أفكار أولئك الذي بَحثتُ معهم هذا الموضوع، وهو أنَّ حكومَة الولايات المتحدة يجبُ أن تمارس سُلطاتها الملائمةَ لرؤية هذا الدَّولة اليهودية تُقامُ لتنبثقَ منها تعاَليمُ ومبادئُ يهوذا القديمة]