في المقبرة جنازتين - في المقبرة جنازتين - في المقبرة جنازتين - في المقبرة جنازتين - في المقبرة جنازتين
في المقبرة جنازتين، والعشرات من الناس جاؤوا حتّى يستهلّوا عيدهم برائحة ذويهم المفقودين خلال الحرب وفتاة تبكي على طرفٍ بعيد، تخفي تقاسيم وجهها تحت كمامة طبيّة. وتهرب من الناس كلما اقتربوا من حولها. غالب الظن أنّها تبكي حبيبها وتخاف أن تفضحها عيونها التي تتفجّر منها الدموع مثل بئرٍ لنبي وسط صحراء عربيّة. عيون تهدي العاشقين لطريق قلوبهم الذي يخافون من حبّهم بسبب أنّ مجتمعهم يتعامل مع هذه المشاعر على أنّها "فضيحة".
الناس، أبناء الحجارة، أصبحت حجارتهم شواهد على قبورهم. حتّى سور المقبرة هدموه وأصبحت حجارته تشهد على آلاف القصص المدفونة. السور الذي كان مكتوب عليه نعيٌ لشهـيدٍ في الإنتفاضة قبل أكثر من عشرين عاماً. هو نفس السور الذي تقسّم الآن ليروي قصّة أكثر من شهيـد في آن واحد.
درج بين الناس في وقتٍ سابق أن سُقيا القبور تريح الميتين فيها.أمشي بين القبور الرطبة وأتلو الأسماء اسماً تلو الآخر. هذا أحمد.. هذا يزن.. هذه سميّة.. هذا وهذه .. الكثير من الأسماء التي تبدو مألوفة! كلهم إخواني وأغلب الظن أن سُقيا قبورهم لم تكن بالماء فقط، بل بملح العين أيضاً.
العيد في المقبرة يبدو حميمياً بالمناسبة. الكل يترجم مشاعره بأفعالٍ كثيرة. حتّى أن بعضهم يدفع المال للأطفال حتّى يقرأوا الآيات القرآنيّة على قبور أحبائهم. الكل يعرف شكل قلبه الحقيقي غير آبه بأي شيءٍ آخر. نظرة واحدة لكل الوجوه ستعرف أنّ الجميع يتمنون زوال الحقيقة الوحيدة المطلقة في هذا العالم. حقيقة الموت.