وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى . .،،، - وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى . .،،، - وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى . .،،، - وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى . .،،، - وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى . .،،،
كان الأمس اليوم، وكان اليوم غداً، وبين الأمس واليوم والغد مشاعر تتلاطم وتهدر كأمواج البحر بين حنايا الروح، تأخذنا على متنها وترحل بنا بعيداً، تتداخل الاتجاهات في جغرافية الرحيل فلا شرق ولا غرب ولا شمال ولا جنوب، نفقد فيها بوصلتنا بطيب خاطر مستسلمين لكل ما هو آت، نرحل معها بلا هدف ولا وجهة تجرنا إلى العمق بلا مقاومة كأن جن البحر يسحبنا إلى القاع، مستسلمين لها ولقدرنا، تلقي بنا آخر المطاف على شواطئ مختلفة، بعضها تشرق الشمس منها، وبعضها تغيب عندها، وبعضها يغط في ظلام دامس، هذا البحر المتلاطم من المشاعر والأحاسيس حيث نفقد فيه حتى قدراتنا على السباحة إن كنا نتقنها في الأصل .
منذ أيام استوقفتني أم كلثوم وهي تغني على شاشة التلفاز أغداً ألقاك، حيث حملت بين نبرات صوتها كماً من التفاؤل الجميل العذب لغد قادم لا محالة، والحضور يتراقص معها طرباً وهي تردد وأهلت فرحة القرب به حين استجابا حين استجابا . . هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا هذا التفاؤل الكبير باللقاء المنتظر جعلها تتهادى على المسرح وهي تغني طربة بيقينية مطلقة يمتزج فيه النعيم والعذاب بمتعة تشعرك أنها وجدت ضالتها، وأن اللقاء سيتم بعد انتهاء وصلتها وليس الغد، كأنها حكمت على الأحداث الآتية في علم الغيب بكل ذلك التفاؤل بالخير الذي ستجده لقوة يقينها، متناسية أي مخاوف قادمة قبل الغد وحتى اللقاء . أي خير هذا الذي تفاءلت به أم كلثوم لتمنحنا دفق اليقين بالغد القادم في علم الغيب أنه الأحلى والأجمل، فهل كنا في حجم تفاؤلها، أم أن خوفنا وقلقنا من الغد صادر منا روعة الانتظار ودفء اللقاء .
ترى ما الذي يخيف أياً منا من الغد؟ ألا يأتي الغد؟ أو يأتي الغد ولا يحصل اللقاء ولا يتحقق المنتظر في علم الغيب، أو يأتي هذا الغد بخيبة ما لا يتوقع، ما هذه المشاعر الموجعة التي تجتاحنا حين ننتظر أي غد فتضج أرواحنا ألماً ونختنق، ويجتاحنا الحزن كلما اقترب منا صرنا نهابه ويهابنا، وهل تحكمنا الأشياء شوقاً واحتراقاً فقط من انتظار هذا الموعد الغارق في علم الغيب، أم يحكمنا الخوف والقلق من عدم مجيئه فتزيد خيباتنا خيبة أخرى في ما تبقى من العمر، ترى كم غد انتظرناه ولم يأت، وكم لقاء رسمناه وخذلنا، أنا لا أتحدث عن اللقاءات العاطفية الجامحة جموح الخيل المتوحشة، هذه اللقاءات إن خابت تسقط خيلها فتنكسر أقدامها ولا يسعفها شيء من حكم الإعدام، أنا أعني أي حدث مرهون بالغد حين نمارس بمتعة مطلقة عذوبة الانتظار .
أي تخطيط هذا، وأي دراسة هذه ننكب عليها تحسباً لأي احتمالات فشل كي نقف لها بالمرصاد، حتى لا يقتلنا الخذلان والفشل مرة تلو الأخرى، أي روح تُحييها فرحة الأحلام ويقتلها الخوف والظنون، أي مهجة حرا يمكن أن تحتويها الضلوع تذوب احتراقاً لكل غد آت، ونبقى رهن غد وبعد غد، يكون مرة غداً كاذباً ومرة غداً مخادعاً ومرة مسروقاً، كاللال في الصحراء، ذلك الماء الكاذب الجاري على رمال صحراء مقفرة تزداد تصحراً إذا ما لامست أرواحنا، ونحن نضحك على أنفسنا نقترب منه مصدقين عذوبته، يحدونا الأمل الموشوم بالوهم بين أضلعنا، لكن نشك فيه شك الفاقد لليقين، المتعلق بالظن الجميل، ونصير كالعيس في الصحراء يقتلها اليأس، والأمل فوق ظهورها محمول، مشاعر الأمل واليأس تختلطان بعضها بعضاً، ولا يبقى إلا الوهم .
غنت أم كلثوم أغداً ألقاك ونحن يجتاحنا الأمل بالغد . بحنين مؤلم يذيب القلوب بغد أفضل من الحاضر، نهرول صوبه دون توقف حتى نصطدم بالحقيقة المرة، وتتهشم أحلام لقاء الغد نبحث عن بصيص نور نستهدي به للجحيم الآتي بعد أن كان بالأمس أضواء مشرقة في ليل العيون الساهرة، عرفنا اليوم أن الأمس كان أفضل بكثير من اليوم الذي كان بالأمس غداً منتظراً، واليوم أفضل بكثير من احتمالات الغد الوهمي .
لقد بقي انتظارنا للغد وهماً وهروباً من حاضر موجع، فلا نحن عشنا الحاضر الموجع ولا استمتعنا بالغد القادم في غيابة الانتظار، وبقينا نراه بوهم كاذب كما رأته أم كلثوم وهي تحلم به وتغني بطرب وغداً تأتلف الجنة أنهاراً وظلاً . . وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى . . وغداً نزهو فلا نعرف للغيب محلاً . . وغداً للحاضر الزاهر نحيا . . نحيا . . ليس إلا!!!، غد بكل هذا الجمال والروعة حري بنا أن ننتظره ونستعذب هذا الانتظار شوقاً لا حدود له، لكنها لم تكن أفضل منا حالاً حين يعشعش اليأس في عقولنا وقلوبنا مما هو آت في علم الغيب لتؤكد لنا وهي تغني قد يكون الغيب حلواً . . إنما الحاضر أحلى .
أهذا هو الغد الذي انتظرناه بالأمس متلهفين وصوله متعجلين لقاءه، ليتنا خفنا منه ولو واحداً في المئة، لما صدمتنا حقيقته المرة اليوم، دعونا نعش عمرنا يوماً بيوم، نستمتع بالحاضر الأحلى لحظة بلحظة حتى يأتينا يقين الغيب الحلو، هذا إذا جاء ونحن مازلنا على هذه البسيطة، كفاكم الله شرور الغد ونختم بكلمات الشاعر الكبير حيدر محمود
نحبـهُ .. نحبـهُ .. نحبـهُ
كما تحب الزهرةُ النّـدى .. والنّغمةُ المـدى ..
والنّهرُ ماءَهُ الذي تعــوّدا ..
نحبّـــــهُ
لأنه الأمـل .. والفـرح الحبيب في المقـل ..
نحبه ، نحبه ، نحبهُ ..لأنـه البطـــل ..
لأنه السطـر الجميل في صفحاتنـــــا ..
نحبـهُ .. نحبـهُ
ونكتب اسمـه علــى راياتنـــــا
نحبـهُ .. نحبـهُ
نحبه ، نحبه ، نحبهُ ..لأنـه البطـــل ..
فليبقـى أحلـى أغنياتنـا .. وحبَّنـا الكبيــرَ في حياتنــا