شبهات حول فكر سيد قطب رحمه الله (7) - شبهات حول فكر سيد قطب رحمه الله (7) - شبهات حول فكر سيد قطب رحمه الله (7) - شبهات حول فكر سيد قطب رحمه الله (7) - شبهات حول فكر سيد قطب رحمه الله (7)
شبهات حول فكر سيد قطب رحمه الله (7)
د. محمد ابو صعيليك
9- القول بمفاصلة المجتمع والعزلة عنه:
ومن الشبه التي أثيرت على فكر الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى أنه يدعو الى المفاصلة الحسية للمجتمع، والعزلة عنه، وفي التعبير عن هذه الشبهة يقول المهندس أبو عزة: دعوته التنظيم الى العزلة عن المجتمع، عزلة بالوجود والكيونة لا بالمشاعر فقط، بحجة أن عدم انسلاخهم يجعلهم يساهمون في تقوية المجتمع الكافر، بينما الواجب أن يعملوا على هدمه.
وقد استعمل هذا المصطلح قوم، ففهموه فهماً خاطئاً، وبنوا عليه أنواع الانعزال التالية:
1- عدم الترشيح للانتخابات وعدم الاشتراك بها بصوت أو بنصح أو رأي، لأن المجالس النيابية تشرع من دون الله، والمساهمة في ذلك كفر بواح لأنه اتباع للكفر أو رضاء به.
2- مقاطعة المساجد لأن الصلاة فيها خلف أئمتها تتضمن الشهادة لهم بالإيمان وهم كافرون.
3- الهجرة الى الصحراء أو الكهوف والجبال، لأن ذلك هو السبيل الذي سلكه النبي لإقامة دولة الإسلام.
4- التوقف في الزمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن المجتمعات كافرة، وليس بعد الكفر ذنب، بل عدم المساهمة في أي انتاج، لأن ذلك يؤدي الى تماسك المجتمع الجاهلي.
5- مقاطعة المدارس والجامعات وإخراج أولادنا منها.
6- ترك الوظائف في الحكومة والشركات، وممارسة أعمال التجارة أو الزراعة.
هذا ويمكن الرد على هذه الشبهة بما يلي:
1- لا بد من بيان مراد الأستاذ قطب من العزلة والمفاصلة، فالمفاصلة عنده مرحلتان: مفاصلة شعورية ومفاصلة عملية، وفي هذا يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى: إن الخطوة الأولى تبدأ دعوة للناس بالدخول إلى الإسلام، والدينونة لله وحده بلا شريك، ونبذ الدينونة لأحد من خلقه، في صورة من صور الدينونة، ثم ينقسم القوم الواحد إلى قسمين، ويقف المؤمنون الموحدون الذي يدينون لله وحده صفاً، ،ويقف المشركون الذي يدينون لأحد من خلق الله صفاً آخر، ثم يفاصل المؤمنون المشركين، ثم يحق وعد الله بنصر المؤمنين، والتدمير على المشركين، كما وقع باطراد على مدار التريخ البشري، وقد تطول فترة الدعوة قبل المفاصلة العملية، ولكن المفاصلة العقيدية الشعورية يجب أن تتم منذ اللحظة الأولى.
2- وفي توضيح مسألة العزلة والمفاصلة يقول الأستاذ سيد رحمه الله: فلم تكن هناك عزلة إلا العزلة بالتصور الإيماني الجديد، وعدم خلطة بأية دفعة غريبة عنه في أثناء التكوين النفسي لهذه الجماعة، وكانت التربية المستمرة متجهة دائماً الى إنشاء هذا التصور الإيماني الخاص المتميز والمنعزل وتحقيقه بطبيعته عن التصورات السائدة في العالم كله يومذاك، وفي الجزيرة العربية بصفة خاصة، وأما الناس الذين ينشأ هذا التصور المتميز في نفوسهم، فلم يكونوا في معزل عن واقع الحياة، ومضطرب الأحداث، بل كانوا يصهرون في بوتقة الأحداث يوماً بعد يوم، ومرة بعد مرة، ويعاد صهرهم في الأمر الواحد والخلق الواحد مرات كثيرة، وتحت مؤثرات متنوعة.
3- ويقول الاستاذ سيد رحمه الله: ولن يكون هذا بأن نجاري الجاهلية في بعض الخطوات، كما أنه لن يكون بأن نقاطعها الآن، وتنزوي عنها وننعزل، كلا إنما هي المخالطة مع التميز، والأخذ والعطاء مع الترفع، والصدع بالحق في مودة، والاستعلاء بالإيمان في تواضع، والامتلاء بعد ذلك كله بالحقيقة الواقعة: هي أننا نعيش في وسط جاهلية، وأننا أهدى طريقاً من هذه الجاهلية، وأنها نقلة بعيدة، هذه النقلة من الجاهلية الى الإسلام، وأنها هوة فاصلة لا يقام فوقها معبر للالتقاء في منتصف الطريق، ولكن لينتقل عليه أهل الجاهلية الى الإسلام.
4- وفي دفع شبهات حول المفاصلة يقول الأستاذ سيد رحمه الله: حيث نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحا، أو أطيب منهم قلباً، أو أرحب منهم نفساً، أو أذكى منهم عقلا، لا نكون قد صنعنا شيئاً كبيراً، لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل، وأقلها مؤونة، إن العظمة الحقيقية أن نخالط هؤلاء الناس متشبعين بروح السماحة، والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم، وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتنقيتهم ورفعهم الى مستوانا بقدر ما نستطيع، انه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية، أو أن نتملق هؤلاء الناس، ونثني على رذائلهم، أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقاً، إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد هو العظمة الحقيقية.
5- ويقول الأستاذ محمد قطب: أما بالنسبة لقضية المفاصلة، فقد بين في كلامه أنها المفاصلة الشعورية التي لا بد أن تنشأ تلقائياً، في حس المسلم الملتزم، تجاه من لا يلتزمون بأوامر الإسلام، ولكنها ليست المفاصلة الحسية المادية، فنحن نعيش في هذا المجتمع، وندعوه الى حقيقة الاسلام، ولا نعتزله، والا فكيف ندعوه.
6- وحول مستند سيد قطب رحمه الله تعالى في القول بالمفاصلة الشعورية يقول الدكتور الخالدي: وقد فهم سيد العزلة والمفاصلة الشعورية من خلال نظرته في حياة الصحابة الكرام، وفي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيتهم، حيث كانت المفاصلة والعزلة الشعورية في تصورهم منذ اسلامهم، ولكنهم مع ذلك كانوا يخالطون الناس الكافرين ويدعونهم الى الله.