سبحان الله أكرم الأكرمين (قصة قصيرة) - سبحان الله أكرم الأكرمين (قصة قصيرة) - سبحان الله أكرم الأكرمين (قصة قصيرة) - سبحان الله أكرم الأكرمين (قصة قصيرة) - سبحان الله أكرم الأكرمين (قصة قصيرة)
في تلك البلاد البعيدة البعيدة عن الوطن والأهل والأحباب يعيش الواحد منا قسوة الحياة وتقلباتها بجميع أشكالها، وتبقى دوما ترتسم في الذاكرة بعض الأحداث التي لا يمكن نسيانها لما تتركه في النفس من تأثير يبقى صداه يتردد في آذاننا طوال العمر، وهذه واحدة أسردها لكم في بضع أسطر حتى لا أطيل عليكم:
في تلك البلاد، خرج صاحبنا ذات يوم يبحث عن ثمن علبة حليب لابنه بعدما تبدلت به الحال وأصبح فقيرا من بعد غنى، فذهب لرؤية أناس كان قد قام باعطائهم مبلغا جيدا من المال قبل نحو سنتين فاذ بهم بمجرد رؤيته أخذوا يتباكون ويشكون ضيق حالهم، فلم يملك صاحبنا الا مغادرة المكان لأنه صعب عليه أن يطلب مبلغا يقارب عشرة دنانير أردني ممن أقرضهم آلاف الدنانير بالأمس القريب، وأخذ يمشي في الطريق على غير هدى مقلبا أوراقه القديمة لعله يجد حلا لمشكلته في هذا المكان أو ذاك، ولكن للأسف اسودت بوجههه السبل حيث لم تساعده ذاكرته المتعبة بالوصول الى اي مخرج، وأخذت قدماه تأخذانه بعيدا من شارع الى شارع حتى قطع العديد من الكيلومترات بعيدا عن مكان سكنه، وبينما هو على هذا الحال: تناهى الى مسامعه صوتا ينادي على اسمه، لكنه أنكر هذا الصوت لعلمه أنه لا يعرفه أحد في المكان الذي كان يسير به، واستمر بخطواته التائهة والمجهدة فاذ بالصوت يقترب منه اكثر فأكثر، فاستعجب في نفسه وقال : يبدو أن الهواجس بدأت تنال مني، وما هي الا لحظات حتى كان هناك شخصا عريض المنكبين يربت على كتفيه ويقول له سيدي : كيف حالك، وملامح السعادة قد ملأت وجهه، لكن صاحبنا لم يتعرف على الرجل وأخذ يتأمل وجهه، فعرف الرجل أن صاحبنا لم يعرفه، فقال له : أنا (خوسيه) الذي عملت معك بالمكان الفلاني قبل خمس سنوات،فتذكره صاحبنا وعانقه عناقا شديدا، وبعد السلام والسؤال أخرج خوسيه من جيب قميصه مبلغا من المال يعادل خمسين دينارا أردنيا وقال له : أرجو منك أن تأخذ مني المبلغ الذي لك في ذمتي وأعطيتني اياه عندما كنت أعمل معك، ولعلك تعذرني لعدم السداد لأنني بحثت عنك طويلا ولم أهتدي لمكان بيتك او عملك للاسف وها هو الله جمعني بك في هذا المكان المزدحم جدا بالسيارات والمارة ليحقق أمنيتي برؤيتك وابراء ذمتي منك، فأخذ صاحبنا المبلغ تحت الحاح (خوسيه) الشديد، وبعد ما ودع صاحبنا (خوسيه) أخذت الدموع تفر من عينيه وتنهمر بشدة على وجنتيه والناس ينظرون اليه بكل استغراب ولسان حالهم يقول : ماذا دها هذا الرجل ؟ لعله أصابه مس من جنون، ولكنهم لم يعلموا أن صاحبنا كان يبكي من شدة الفرح لأن الله عز وجل من عليه بمبلغ يفوق المبلغ الذي يريده بخمس مرات وأراه عظيم كرمه في لحظة كاد الياس أن يتمكن من قلبه وعقله، وبقي بعد هذا الحادث يكثر في دعائه من قول "سبحان الله أكرم الأكرمين" لأنه أيقن تمام اليقين أن كرم الله ورحمته لا حدود لها وهذا تجلى بوضوح بظهور (خوسيه) في المكان الذي جاءه صاحبنا من غير سابق معرفة أو تخطيط منه شخصيا انما هو تدبير المولى العلي القدير الذي رتب لقاء صاحبنا بخوسيه.