جحود ...........
عندما علم أن مسئولا ً كبيرا في الوزارة سيزور مدرستهم لافتتاح معرضها السنوي فرح كثيرا ً وشعر بالفخر لأن ذلك المسئول كان أحد َ طلابه القدامى في أول عهده بالتعليم في إحدى القرى النائية .
تصل سيارة فارهة إلى مدخل المدرسة تتبعها عدة سيارات أخرى . يهرع المرافقون لإفساح المجال للضيف فيما يشير آخر للطلاب بأن ينشدوا ويصفقوا . يمسح أحدهم غبارا ً علق ببذلة الرجل فيما يبدأ الضيف بالسلام على مستقبليه وبين شفتيه سيجار ٌ من النوع الفاخر .
عندما وصل الدور إلى ذلك المعلم الكهل بادره بسلام ٍ فاتر ٍ يقطر خبثا ً :
" كأني شايفك قبل هالمرة " ؟
المعلم وقد تغير لون وجهه وامتقع صفرة وحزنا ً :
من دواعي سروري أنك َ أحد طلابي عطوفتك .
" آه , وأنا بقول وين شايفك " . أتبعها بابتسامة صفراء َ باهتة . "على كل حال إذا إلك أي طلبات اكتب ورقة واعطيها للشباب " .
أسقط في يد المعلم وكتم صدمته وأحس بدوار ٍ مريع ٍ يلف لحظاته . عاد سنين عديدة ً للوراء وهو يجول بذاكرته ليصل لذلك الفتى المشاكس والذي كان يمضي جل وقته خلف باب الصف عقابا ً له على مشاغبته وعدم اكتراثه بالتعليم .
كان زملاؤه يتهكمون عليه وينعتونه بالكسلان .
كبر الكسلان وصار مسئولا ً كبيرا ً لكن تلك السياط اللاذعة التي تلقاها من معلمه لم تهذب أخلاقه فردّها للرجل بسياط ٍ أشد َ إيلاما ً .
من يتظاهر بنسيان معلمه ناكر للجميل
ونكران الجميل يدل على خسة النفس
فإن من لا يقر بفضل الغير عليه لهو اشد الناس جحودًا
(وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان)
ثم إن من لا يوقر من يكبره سنًا لهو أشد الناس مقتًا
وإن من في صدره ذرة من كبر منبوذ عند رب العباد
اللهم لا تجعلنا من الجاحدين
الجحود صاحبه قاسي القلب ولا اصل ولا خلق عنده
لان ابن الاصل وصاحب الخلق لا يمكن ان يكون جاحدا
وربنا سبحانه وتعالى وصف الجاحد بالمتكبر والمغرور
هي طبيعة في بعض البشر...يجرحون دون أي تردد..ويؤلمون من حولهم بقصد أو بدون قصد
كثيرة هي القصص التي نراها وتؤلمنا بقسوة أبطالها وضعف بعضهم
أتعلم يا صاحب الدم الأخضر...بساطة كلماتك غالبا ما تأسر الحبر في قلمي وتكبل الخطوط على ورقي...ورغم هذه البساطة إلا أنك دائما تأتينا بأروع العبر وأرجح الحكم التي نتعلمها من خلال سطور بسيطة
بورك قلمك المتأني والرائع وبوركت النفس التي تحمل بداخلها كل هذا
أشكرك من أعماقي....