خمس عشرة دقيقة - خمس عشرة دقيقة - خمس عشرة دقيقة - خمس عشرة دقيقة - خمس عشرة دقيقة
خمس عشرة دقيقة ....
ابتسامة تائهة تتلمس طريقها في المجهول .... وجه أتعبه التخبط والتيه والشتات ..... روح فتية شابت قبل تفتحها .... كل ذلك قرأته في وجه "عناد "من أول لحظة ......
ثمرة يانعة طرية داستها عجلات الخلافات فهرمت قبل أوانها ..... منذ بداية العام الدراسي ولخبرتي الطويلة في الأطفال وتصرفاتهم وانفعالاتهم أدركت أن وراء هذه الملامح حكايات وأسرار ...... كان يبدو عليه أنه مجتهد في دروسه ويشارك في الحصة لكنه كثير الشرود وتحسبه في بعض الأحيان في غيبوبة لا يفيق منها إلا إن طلبت منه شيئا .
كان لوجود اثنين من أبناء أعمامه في نفس الصف أن وضع على عيني غشاوة أوهمتني أنه على وفاق معهم في المدرسة وخارجها , فهو دائما معهم لا يفترقون بل ويساهم أحدهم بصرف انتباه الآخرين عن الحصة فكنت أحسبهم يعيشون حياة مستقرة .
قبل أسبوع حضرت خالة " عناد " للسؤال عنه . اعتقدت أنها والدته لكنها عرفتني على نفسها وأسهبت في الحديث بعد أن علمت أن الولد متراجع في دروسه أن ذلك مرده انفصال أبويه والمشاكل المستمرة التي امتدت لتشمل كل عائلة أبيه وظهر ذلك جليا عندما طلبت مني أن يجلس ابن أختها بعيدا عن أبناء أعمامه فلبيت طلبها بنفس اللحظة فشكرت لي ذلك وانصرفت .
لم يغادر الفتى مخيلتي وولد بين جوانحي تصميم عجيب بمساعدته حالما استطعت .
استدعيت عنادا إلى غرفة المعلمين وأجلسته بجانبي لأسمع منه ما لم يبح به لأحد طوال حياته .
لم يشعر بالحرج أو التردد فاجأني بصراحته واسترساله بالكلام . انه – رغم صغر عمره – يحتاج لمن يصغي له ويلامس شغاف قلبه ويبرئ جراحات لازمته من يوم مولده .
رضوخا لرغبة جده وخلافا لمشيئة أبيه انفصل الوالدين قبل أن ترى عيني الطفل النور . أي جو صحي سيحيى به وروحه انشطرت نصفين وأجبرها النزاع أن تضيع بين متاهات الأهل وشقاقهم الذي سيرسم ملامح مشوهة لحياته ؟.
شعرت برغبة جامحة عنده للكلام فلم يخذلني بأي سؤال وجهته له . وكأن الأزمة صنعت منه رجلا قبل أوانه . طلبت منه أن يرمي الماضي بكل ما يحمل خلف ظهره ولا ينتبه سوى لدراسته ولممارسة طفولته الاعتيادية فهو يدرك أن ما كسر لن يرجع كما كان وأن أبويه اختارا طريقا لا عودة عنها ويكفيه أنه يعيش مع أبيه ويزور أمه على فترات متقطعة فليحزم أمره وينصرف إلى مستقبله . عندما كنا في الصف أثناء الدرس رأيته وقد صب كل تركيزه في الكتاب وعندما أنهى كتابة أحد التمارين جاء ليطلعني على انجازه فحفزته وأمضيت الحصة أراقب فتى ولد أمام ناظري من جديد .
ارتسمت ابتسامة جذابة على وجنتيه كأنه ملك الدنيا وما فيها . أحسست أنني أعدت له سنوات عمره الأحد عشر في خمس عشرة دقيقة ................
جزاك الله خيرا ..وبورك قلمك..
بالحقيقة رب اب لك لم تتزوجه امك ..ورب طفل لك لست اباه ..
ذات الشعور اخي عند تعاملك مع لجان الفتيان الايتام.. فلكم اختبئت و ذرفت دمعا ..حين ارى منهم فتى مكسور الجناح..اوعيناه تغرورقان بالدمع اذا اتاني في مظلمة..
ذكرتني هذه القصة بقصة مشابهة طرحتها هنا أيضاً لدى طالب يحمل هموم أكبر من عمره بكثير فقد كان يتحمل مصروف الانفاق على أخوانه وأخواته ووالدته في الوقت الذي كان فيه الوالد برفقة زوجته الثانية في مصر وهو في الصف التاسع !!....
مشكور اخي الكريم على هذا الطرح الجميل لقصة أبعادها الاجتماعية و الانسانية مؤلمة للغاية ....
على الرغم من أنها قصه من واقع حياتنا وربما تتكرر الحدوث الا أنها لها وقع من الألم داخل النفوس
ومن هنا أؤكد على الدور التربوي اضافه الى التعليمي للأساتذه والمعلمات ...