من لحم ٍ ودم - من لحم ٍ ودم - من لحم ٍ ودم - من لحم ٍ ودم - من لحم ٍ ودم
قصة قصيرة
من لحم ٍ ودم ....
اعتلى القناص سطح إحدى البنايات الشاهقة إيذانا ً ببدء مهمته الجديدة . لم يسبق له أن مارس عملا ً كهذا . رغم احترافيته ومهارته ودقته في إصابة الهدف إلا أن أصابعه ارتجفت قليلا ً .
ثمة طفلة تحمل دميتها , تطارح جدائلها الريح َ وتسابق براءتها النسائم لتنتزع لحظات ٍ للعب والمرح , رجل ٌ يركض مذعورا ً وقد حمل ربطة خبز ٍ حظي بها بعد شديد عناء , فتاة تحمل كتبا ً عادت لتوها من الجامعة , وامرأة تتشبث بزوجها بعد أن اجتازوا حاجزا ً للتفتيش أمضوا عنده ساعة من الوقت .
يتوجب على القناص في المكان الذي يكشف المارة أن يتعامل معهم كطرائد يجب اصطيادها . إنهم أهداف ٌ مطلوب ٌ قنصها , تماما ً مثل تلك الأهداف الخشبية التي طالما أسقطها أثناء التدريب . ليسوا من لحم ٍ ودم , لا أحلام لهم , ليس ثمة من ينتظرونهم على أحر من العشق , حظهم السيئ قادهم أمامه فليلعنوا حظهم فلا دخل له مطلقا ً بالموت المحدق بهم .
سقطت الضحية الأولى , رف ّ جفنه قليلا ً وارتجفت أصابعه وهي تضغط على الزناد , عندما حان موعد قنص الضحية التالية , تغير الأمر قليلا .
صباح اليوم التالي , استيقظ دون أن يشعر بالذنب , هذا عمله الذي يجني منه مالا ً لينفق على عياله !
كلما أصاب شخصا ً في مقتل – وعلى الأغلب يخر صريعا ً من الطلقة الأولى – كان يعتاد على مهنته الجديدة فهي بالنسبة له كالعزف على العود أو الكتابة بالطباشير على السبورة فكلها تستخدم الأصابع فالأمر إذا ً سيّان .
" هؤلاء إرهابيون يقومون بالمظاهرات , يريدون تخريب البلد وتقويض َ سلمه الأهلي " يحدث نفسه وهو يحتسي كوبا ً من الشاي وينفث دخان سيجارته بانتظار مرور طريدة ٍ
جديدة .
يثبت منظار بندقيته الآلية , يتخذ وضعية المتأهب , ينتظر مرور أي شخص , تستعد السبابة لإتمام المهمة , رصاصة ٌ من بعيد تخترق ناصية رأسه . تسقط البندقية من يده لتدب الحياة والصخب في المكان بانتظار قناص ٍ آخر َ يزرع الموت في كل الأركان .