"حتى يميز الخبيث من الطيب" - "حتى يميز الخبيث من الطيب" - "حتى يميز الخبيث من الطيب" - "حتى يميز الخبيث من الطيب" - "حتى يميز الخبيث من الطيب"
السّبيل|
1- مدخل: ثمن الاستقلال
فاجأت ثورات «الربيع العربي» العالم والقوى الكبرى، وامتصت تلك القوى الكبرى الصدمة، ثم في هجمة مرتدة –بتعبيرات الكرة- قامت تنقض على رجال التغيير وحركة التاريخ، تريد إعادة العجلة إلى الوراء ووقف المد التغييري، وإعادة التبعية إلى سالف عهدها. فدولنا لم تستقل بعد، وكانت مفاجأة ضخمة أن تحصل مصر على استقلالها بمجرد ألف شهيد، هذا ما كان ليكون، ففي انقضاض حركة العملاء والتابعين مع أسيادهم بدأنا ندرك أن الثمن لتحصيل الاستقلال، وتحصين الاستقلال لن يكون الألف شهيد فقط، وإنما الأمة والأمور مرشحة لدفع المزيد من الشهداء والدماء لتحصيل هذا الاستقلال الذي كان وهماً وأماني وحلماً، وسراباً خادعاً ألمَّا، فالآن لما استيقظنا على الحقائق علمنا أن الأمور لا تسير بهذه البساطة، وأن تنظيف مصر من الزبالة المادية يحتاج إلى سنوات، فكم يحتاج تنظيف البلد من رجالات مبارك ورجال الأعمال المرتبطين به وبأمريكا وبـ»إسرائيل»؟ لقد صنع عهد مبارك ونظام مبارك ولا أقول مبارك، لأنه كان أقل قدرة وذكاء وخبرة من أن يصنع الخراب الذي صنعه في مصر، أو صنع في عهده برضاه وهواه، أقول صنع عهده طبقة جُدد من رجال المال والأعمال أنشأهم إنشاء بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً، ومن ألمعهم أحمد عز وهشام طلعت مصطفى ونجيب ساويرس وأحمد بهجت وأضرابهم. وهؤلاء ربطوا مصيرهم بمبارك وبأمركيا و»إسرائيل»، فأحمد عز هو الذي زودت مصانعه حديد السور الفولاذي الذي أقامه مبارك بين مصر وغزة.
وقد صنع عهد مبارك آلافاً من رجال الأعمال الفاسدين، وقد تكلمت الجرائد المصرية نفسها عمن صنعوا المليارات (نعم المليارات) من الجنيهات مثل إبراهيم سعدة وإبراهيم نافع وممتاز القط وغيرهم.
هؤلاء الجيش أو الفرقة الانكشارية من مرتزقة الإعلام والسحّيجة –بتعبير جورج حداد- والهتيفة وحارقي البخور والمزورين وقادة حملات التضليل، والمشوهين للحقائق.، أقول هذا الجيش ربما يكون أخطر الجميع، بدلالة أن كل واحد من رجال الإعلام حرص على أن يكون عنده محطة أو قناة تلفزيونية على الأقل، وبعضهم سلسلة قنوات، أو «مجارير»، وهؤلاء هم الذين يتولون الآن كِبْر حديث الإفك وإشاعة «الفاحشة في الذين آمنوا» وتزيين الرذيلة والدعارة، وتقبيح الخير والهدى والرشاد والجمال.
وجيش ثالث هو جيش الفنانين، وكلهم أو جلهم مرتبط بمراكز القوى.
وأقرأ في يوم كتابة هذا المقال في دورية عربية عن احتفاء نادي «ليونز القاهرة» (ذراع للماسون أي الصهيونية العالمية!) وتكريمهم بجوائز تقديرية لمجموعة من الفنانين والفنانات، والعجيب أنهم كلهم ممن ناصبوا مرسي والحركة التي أنجبته العداء والتهجمات، فحظي جلهم بالجوائز. (وإن أردت معرفتهم راجع الإعلام والدوريات في أعداد 6-12/012)
ولن أتكلم عن الجيش الانكشاري الرابع الذي أسسه عهد مبارك، وهو جيش البلطجية أو فرقة «الحشاشين» الجدد، تشبيهاً وتشبهاً بالحشاشين القدماء الذين ناصبوا صلاح الدين والجهاد والإسلام والعلم ورجاله العداء، وقتلوا من كل هؤلاء نخبتهم، وما نجا صلاح الدين من الموت على أيديهم إلا بأعجوبة، فقد نالته طعنة غادرة على أيديهم.
ولقد بلغ عديد هؤلاء البلطجية كما كررنا مراراً ثلاثمئة ألف بلطجي فقط! واحد منهم كفيل بترويع قرية بكاملها، وإحداث انفلات أمني فيها، بل في المحافظة التي هي منها بالسرقة وأخذ «الخاوات» والقتل والاغتصاب.
وجيش خامس وسادس من رجال الأمن ورجال القضاء، وسابع من رجال العلم والفكر والثقافة.. إلخ.
كل هذه الأجهزة كانت في خدمة مبارك وشرّه وفجوره وعهده وعهره! من هنا أكرر قول سيد: لا بد لكل ميلاد من مخاض، ولا بد لكل مخاض من آلام». والأمة الآن في مخاض ولادة وانبعاث إلى عصر جديد فلا بد من الآلام. إننا الآن ندفع ثمن الاستقلال الذي ما تسلمناه، ندفع ثمنه مرة أخرى لننتزعه هذه المرة حقاً وبالفعل لا صورة ولا وهماً ولا سراباً!
2- حتى يميز الخبيث من الطيب
سقْت ما مر -على الإطالة بل الاختصار- لنعي وعورة الطريق وصعوبة المرحلة والمضيق الذي نعبره وعنق الزجاجة الذي علينا اجتيازه! وثمن الاستقلال وكم هو باهظ، وقوى الشد العكسي أو قوى الثورة المضادة، وكم تملك من أدوات وقدرات وكم تملك من تأثير وقدرة على التخريب والتحزيب والتأثير والتدمير وتشويش المجتمع، وكم تملك من غطاء دولي مؤثر فينا وفعال، وكم تحتاج جماهيرنا من جهد للصياغة أو إعادة الصياغة، وكم يستطيع التشويش أن يصنع!
بعد كل هذا أقول استوقفتني آية في كتاب الله في سورة آل عمران، وهي السورة التي أسميها أو أصفها بأنها سورة الاصطفاء الخاص والاصطفاء العام، وذلك في ختام تعقيب السورة على غزوة أحد ومما جاء في الآية: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب..)، والملاحظ أولاً: أن الآية جاءت في ختام الحديث عن أحد، وما أصاب المسلمين فيها من آلام نفسية وجسمية، وفقد شهداء وانتعاش أعداء، فكأن الآية بموقعها تمثل صفوة القول وزبدته، وتلخص حكمة الله في الابتلاء الذي حصل في الغزوة. ونحن اليوم نواجه ظرفاً صعباً واختراقاً من الأعداء لصفوفنا يحزن القلب ويمض النفس، ولكن ليعلم الجميع أن لله حكمة بالغة وراء ذلك.
والملاحظ ثانياً: استخدام أشد صيغ النفي: (ما كان الله..) وتكرارها مرتين في نصف نص الآية؛ مما يدلل على سننية هذا الأمر، وأنه ناموس إلهي، وقانون مطرد، بل ضرورة لا بد منها.
وندخل بعد هذه الملاحظة إلى حمى الآية ومعناها ومقصدها، فالله تعالى يقول: إنه ما كان ليدع المؤمنين مختلطاً حابلهم بنابلهم، وغثهم بسمينهم، ومخلصهم بدعيّهم، ومؤمنهم بمنافقهم، والوطني بالعميل، وأشباه الرجال بالرجال، والمفتدون أوطانهم والمتاجرون بأوطانهم، والمعظمون الدماء والمستحلون الدماء.. إذاً لن تتركوا على حالكم بلا تمييز. فلا بد من غربلة الصف؛ ليسقط «الزوان» «والكسر» ولا يبقى في الغربال إلا الحب الصحيح الكامل! هذا الفرز والفصل بين النوعين: الخبيث والطيب ضرورة! تماماً كالحجر الصحي وقت الأوبئة. ولن نعرف المصاب إلا بالفحص، ولن نعرف «المعطوب» و»المضروب» و»المشطوب» إلا بالامتحان! والامتحان زلزال كما عبر الله في السورة التي قبلها أي سورة البقرة «وزلزلوا» وفي سورة الأحزاب: (وزلزلوا زلزالاً شديداً).
هذه الهزة القدرية والزلزلة بالتعبير القرآني لغربال المجتمع ليسقط الخبيث، كما قال في سورة الأنفال وهي شبيهة سورة آل عمران: (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم..).
هذا «الفرقان» ضروري لمستقبل الأمة. وتصور، بالله، لو فاز شفيق في الانتخابات أو عمرو السكران المرتبط بليفني و»إسرائيل»، أو حمدين المتقلب، أو بكري المتلون، أو البرادعي المغطى بقوى دولية، ماذا كان يكون مستقبل مصر؟ إن فضح هؤلاء وكشف خبيئهم مسألة حياة أو موت، كما يتم الكشف المبكر عن السرطان قبل أن يستفحل، وهؤلاء كالسرطان!
هذه هي (ما) النافية الأولى في الآية، أما الثانية فهي قوله تعالى: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) وهذه أيضاً مهمة جداً.
ألا ما أعظم كلام الله وما أملأه بالحكم! إنه ليس من منهج الله ولا من سنته في الوجود والمجتمعات والأمم أن ينزل كشفاً بأسماء المنافقين والعملاء والجواسيس والخونة والمأجورين والزنادقة والمدسوسين والمندسين! ما كان أبداً، ولن يكون.. وهذا لم يكن متاحاً لأعظم الخلق فلن يكون متاحاً لمن سواه بالأولى. لا قوائم سوداء تنزل من السماء! يجب أن تدفعوا ثمن الكشف عن هؤلاء المختبئين تحت جلودنا، والملتحفين بشعارات العلمنة والدمقرطة واليسارية والليبرالية والتحديث وما شئت من أسماء متضخمة متورمة ومتقزمة! تنوعت الأسماء والتفريط واحد!
كيف سنعرف المرتزقة إذاً أو أجناد الباطل؟ بقي ما يسوقه القدر من هزات بها يتم تنقية الصف، وتطهيره، وتصفيته من الشوائب، والأوشاب.
ما يجري مؤلم ولكن وراءه حكماً عظيمة بحيث يصدق فيه قول الله تعالى: (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم..).
ومن ضمن الحكم سوى كشف العملاء المبكر قبل أن يستفحلوا، أقول من حكم ما يجري أن تزداد الأثمان المدفوعة في النصر ليكون الحرص عليه بقدر ثمنه، وصدق الله: (وينصرك الله نصراً عزيزاً) فالنصر الرخيص الثمن شيء، والنصر العزيز غالي الثمن شيء آخر مختلف.
وثالث الحكم والأمور كشف عن مقدار الحلف الشيطاني بين العلمنة والصهيونية ويتكشف كل يوم عمق هذا الرابط الخياني الإجرامي، ورعاية الغرب وقوى الصهيونية لهؤلاء المتغربين، ولولا هذا الدعم السياسي والإعلامي ما كان هؤلاء يساوون شيئاً.
ورابع الحكم أن يختار الله شهداء كما فقد الشعب السوري قرابة المئة ألف من الشهداء، ولا ندري كم سندفع بعد في التحرر من هؤلاء؟
وخامس الحكم أن نبتلى بأكابر المجرمين كما قال القرآن لنشحذ كل قوانا وقدراتنا. وسادس الحكم توحيد الجهود الإسلامية والاجتهادات والجماعات.
ويبدو أن حديث الحكم يحتاج إلى حلقة خاصة.
مفارقات غريبة
مبارك هو من أمر بتحصين الحدود مع غزة بأسوار فولاذية
وأحمد عز هو من زود العدو الصهيوني بالفولاذ لإقامة الجدار العازل
والأسوأ أن أبناء جلدتنا من رموز سلطة رام الله هم من زودوا الصهاينة بالإسمنت
إنها ليست مفارقات غريبة فحسب، بل هي عجيبة أكثر من عجائب الدنيا السبع
هؤلاء عرفتهم بالخبث والقذارة والفسوق والكذب..
حسبنا الله ونعم الوكيل في كل ظالمٍ وطاغٍ..
يقول الله في كتابه- عزَّ من قائل: {ثم الينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون}..
شكراً لمرورك الجميل أخي الفاضل..