القدس الشريف الحلقة الثانية بقلم طه العبسي - القدس الشريف الحلقة الثانية بقلم طه العبسي - القدس الشريف الحلقة الثانية بقلم طه العبسي - القدس الشريف الحلقة الثانية بقلم طه العبسي - القدس الشريف الحلقة الثانية بقلم طه العبسي
حلقات خاصة عن القدس الشريف
الحلقة الثانية :
القدس اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين :
تعني كلمة القدس التنزيه والطهارة والبركة المطلقة التي خصها الله بها ، انها المدينة المقدسة الخالدة في تاريخ العرب والاسلام وهي بقعة من الجنة فعن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم " من أراد أن ينظر الى بقعة من بقاع الجنة فلينظر الى بيت المقدس " . عرفت باسماء كثيرة كما جاءت بنص القرآن الكريم منها "القرية" كما في قوله تعالى ( وإذ قلنا أدخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وأدخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ) . كما أنها "الساهرة" في قوله تعالى (فإذا هم بالساهرة ... ) وهو جبل الطور بالقدس كما اوردت بعض التفاسير القديمة ، والقدس هي "التين والزيتون" بقوله تعالى " والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين " يقسم المولى بالقدس وطور سيناء ومكة المكرمة بإشارة واضحة الى أنبياء الديانات الثلاثة المتعاقبة من أولي العزم موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة وأطيب السلام .
عرفت القدس باسماء كثيرة بلغت ثلاثين إسما وكان من أهمها وأكثرها شهرة أربعة أسماء هي أورشاليم ويبوس وإيلياء والقدس . وجاء اسم اورشاليم من التسمية الكنعانية بلفظ مكون من مقطعين (أور) وتعني بالكنعانية والأرامية (النور) و(شاليم) وتعني في الكنعانية العافية او الكامل أو السلامة أي أن أورشاليم تعني (النور الكامل والعافية التامة ومنارة السلام) . عرفت القدس القديمة بسور طوله خمسة أميال تقريبا وارتفاعة اربعين قدما وقد شيد له اربعة وثلاثون برجا للمراقبة وله سبعة أبواب للدخول وأربعة مغلقة .
تتميز القدس بموقع فريد وهو سبب تشريفها بوصف القدسية ، فهي بوابة الارض الى السماء كما أنها بوابة السماء الى الارض ، تعرف القدس في أصول العقيدة أن كانت القبلة الاولى للمسلمين ، قبل أن تتحول القبلة الى مكة المكرمة بعد سنة وخمسة شهور من الهجرة النبوية الى المدينة المنورة . وسبب تحويل القبلة كما أرى - والله أعلم - أن الله قضى بعلم الغيب في سورة الاسراء ان تتعرض القدس لمحنة الاحتلال من الاعداء ، العدو الصليبي أولا ثم العدو اليهودي تاليا ، وأن تكون قبلة الاسلام محتلة فهذا ما لم يأذن به الله لأنه يخل بحرية أداء شعائر الدين ، وينافي العزة الايمانية بقوله تعالى " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين .. " . وكما كانت القدس أولى القبلتين فهي بنص الحديث الصحيح ثالث الحرمين الشريفين ، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " .
تتميز فلسطين وعاصمتها القدس زهرة المدائن بموقع عالمي استراتيجي فريد فهي قلب بلاد الشام في منتصف الارض بحيث تشكل حلقة الوصل بين القارات القديمة الثلاث أوروبا وآسيا وأفريقيا . وظلت فلسطين لأسباب عديدة وعلى مدى التاريخ مطمعا للغزوات والحروب والاحتلال لأن فيها أسرارا تجعل كل أمم الأرض متلهفة لها وطامعة فيها . وبصرف النظر عن الحروب القديمة فحسبنا الآن أن نركز النظر على حروب فلسطين بعد الاسلام .. كانت الغزوات الصليبية المتلاحقة قد أدت إلى إحتلال فلسطين على مدى مائة عام ، في محاولة لطمس هويتها الاسلامية حتى حررها الفاتح السلطان صلاح الدين ليلة المعراج يوم 27 رجب سنة 586 هجرية الموافق 2 أكتوبر سنة 1187 م . وبعد مضي 760 عاما تقريبا جاء دور بريطانيا بالدور الرئيسي لتمكين اليهود من إحتلال فلسطين عام 1948 وهي تضمر كل الحسد والحقد الصليبي الاسود على الاسلام والمسلمين بسبب فشل الحروب الصليبية وانتقاما من الفاتح الصالح صلاح الدين بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وسقوط الدولة العثمانية عام 1924 التي أقامت حكم الخلافة الاسلامية على أجزاء واسعة من أوروبا وآسيا وأفريقيا على مدى أكثر من 600 عام .
يعلم الصليبيون واليهود من العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الانجيل) ان فلسطين بوابة الارض الى السماء ، ويعرفون من تعاليم الديانات القديمة أن من يتحكم بالقدس يمكنه ان يحكم العالم كله ، إنهم على يقين ان الزمن قد تجاوزهم فلم يعد لهم حظ إيماني بالقدس بعد إنقضاء ديانتهم بالدين الخاتم الاسلام ، وبرغم ذلك ظلوا يكابرون كيدا وعداوة صريحة للاسلام وأهله .
جاء التأكيد على مكانة فلسطين والقدس بالقرآن الكريم بقولة تعالى على لسان سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام في سورة المائدة " يا قوم أدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين " وكان ردهم يقر حالة الجبن والخسة والنذالة المعروفة عن اليهود كما نشاهدهم في هذا الزمان " قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون " . وهذا يفسر عدم تجرؤهم على السيطرة المباشرة على المسجد الاقصى مع انهم سلطة إحتلال لكل فلسطين لأن المؤمنين داخل المسجد هم الغالبون . لقوله تعالى " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما أدخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين " . نفهم من الاية الكريمة ان المقصود بلفظ الباب هو بيت المقدس والمؤمن الذي يدخلة يكون بالوعد الرباني القطعي غالبا لعدوه . وقد رأينا مؤخرا كيف ان المرابطين العزل في باحات الاقصى قد أذلوا كبرياء وصلف العدو وأرغموه على إزالة البوابات الالكترونية وكاميرات المراقبة وفتح أبواب المسجد للمصلين ...! والعالم كلة يرقب ويتفرج بذهول ...
ومن دلائل البركة في فلسطين أن أغلب الأنبياء والرسل قد ولدوا وبعثوا على أرضها الطاهرة المطهرة والقليل منهم من ولد وبعث خارجها قد جاء بأمر الله إليها ، وكان لفلسطين أن تحظى بالشرف العظيم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد صلى في بيت المقدس بجميع الانبياء والمرسلين إماما وذلك ليلة المعراج وهي دلالة تكريم رباني عظيم وإقرار بالبيعة التامة الصريحة من الانبياء والرسل أنه صل الله عليه وسلم قد تسلم الأمانة الكاملة عن الارض للسماء فهو الشافع المشفع سيد ولد آدم ، سيد الخلق وحبيب الحق ، صاحب الحوض وحامل مفتاح الجنة .
كثيرا ما كنت أسمع البعض يقول زرت المسجد الحرام فاستشعرت الراحة والروحانية ، ولكني عندما زرت المسجد الاقصى وقبة الصخرة كان فيض الروحانية الغامرة اكثر بكثير .. ويسأل ما السبب ؟ قلت للسائل قد اختلطت عليك مشاعرك .. ! عندما كنت حول الكعبة استشعرت حالة الرضا والسكينة والأمان النفسي ، إذ كنت تستظل بعرش الرحمن وكنت كلما قطعت شوطا بالطواف حول الكعبة المشرفة ترتقي أكثر وتشعر بالخفة كأنما تلقى عنك ثقل الذنوب .. حتى إذا تحققت لك نشوة الصفاء والنقاء أيقنت ساعتها أنك تركت الدنيا خلف ظهرك وأن الله أكرمك بالقبول .. أما عندما كنت في بيت المقدس فقد شعرت بأن روحك قد انطلقت من جسدك بعيدا عنك ودون إذن منك .. وحلقت في أجواء روحانية غامرة وصرت تحس أن جسدك يهتز بموجات من النور الغامر الذي يسري في أوصالك وحالة من الشعور الفياض الذي ينعش فؤادك ويحلق عاليا بوجدانك بشوق وحنين لم تعرفه من قبل .. إنك تقف على بوابة السماء تودع روحك ارواح المؤمنين الصاعدة للسماء
إنها لحظة عجيبة ان تحس بروحك تأتلف أرواح الشهداء والصالحين الصاعدة من أجساد إنقضى أجلها بالدنيا وأذنت السماء أن تفتح أبواب الرحمة لها .. كما تجد أن روحك في ذات الوقت تستقبل أرواحا نازلة من السماء المرسلة الى أجساد المواليد البريئة . والارواح النازلة والصاعدة كم هائل لا يحصيها إلا الله جل في قدرته وتناهى في عظمته .. فكيف لا تهتز روح الزائر لبيت المقدس بحضور هذا المهرجان الروحاني المذهل فوق الخيال ... إنه بيت المقدس الذي يتشرف فيه الرواد والمصلين بنفحات من فيض القداسة ...!
أسأل الله العظيم رب العرش أن يكتب لنا جميعا الصلاة بالمسجد الاقصى عزيزا محررا إنه ولي ذلك والقادر عليه .