هكذا تبدو في غيابك يا سليم حمدان - هكذا تبدو في غيابك يا سليم حمدان - هكذا تبدو في غيابك يا سليم حمدان - هكذا تبدو في غيابك يا سليم حمدان - هكذا تبدو في غيابك يا سليم حمدان
بقلم : ريمون رباح
هكذا تبدو غرفتك بدونك , مكتومة الانفس مظلمة موحشة وتعبق بالذكريات والانين ووجع السنين , كل شيء بات ذكرى حتى انت بت في نظر البعض مجرد ذكرى مرت بتاريخ الوحدات , لأكثر من اربعين عاما من العطاء المتواصل واللا محدود ثم ذهبت ..
كنت وحداتيا حتى في أصعب لحظات حياتك فقد طلبت ان تغطى برداء أخضر وانت ترقد في مستشفى البشير وترزح تحت غيبوبة قاتلة ,, اجد انه من العار ان اختزل سليم حمدان وتاريخه في مقالة , فانت تستحق الاف السطور لكي تكتب عنك , ولكن هذا القلم المرهق كسر كما كسرت قلوبنا برحيلك , لقد ادميت عيوننا برحيلك وبتنا نعتقد اننا لم نذرف بعد الدموع الكافية التي توفيك حقك .
عشت مع الوحدات والوحدات عاش فيك ومات فيك , الدموع الحارة كانت تحرق وجوهنا ونحن نودعك وانت مسجى في كفنك يا ابو السلم , حتى في موتك كنت شامخا صنديدا , رأيت فيك الرجل الفلسطيني القديم الذي كان يعشق فلسطين حتى الثمالة , وفي النهاية رحل كما يرحل الكبار .. كنت حين تبدأ دموعك العزيزة علينا بالنزول على خدك تنزل على فلسطين , وتقول " راحت فلسطين لن أراها بعد اليوم " .. فلسطين ايضا افقتدتك وسوف تفتقد حنينك واشتياقك لها وحديثك عنها ولهجتك الاصيلة التي حافظت عليها حتى اخر يوم من ايام حياتك .
رحل سبع الدار يا سمية .. ولم يبقى هناك من تعدين الطعام له , رحل ولم يبقي لك الا تلك الصور والاوسمة لتعزيك في وحدتك , رحل وبقي محبينه حولكِ ليذكروك بانه ما زال حاضرا ولم يرحل الا بجسده , ولكن روحه تحوم حولك وتحميكِ انت وكل عائلته الطيبة ... الى اللقاء ايها الاسطورة الى اللقاء في مكان بعيد عن هذه الارض التي تملأها الحقد والكراهية بين البشر , فانت الان بين يدي الله ورعايته .
يقال ان الملائكة تبكي حينما يموت انسان مؤمن وتفقده الارض , ولكنها تفرح بذات الوقت لأنها سوف تستقبلك في السماء وتعتني بك وتمسح دموعك وآلامك وصراخك , فهناك في السماء لا يوجد صراخ بعد ولا دموع ولا ألم ونحن نحتسبك بإذن الله مع الابرار والمؤمنين , اعرف يا استاذي العزيز انك لم تعد موجودا لتقرا كلماتي المرهقة ولكني اعزي روحي بان نفسك سوف تشعر بان هناك ابنه لك ستبقى تدعو لك بالخير وتتمنى لك ان تكون في الجنة بإذن الله .
خالد بن الوليد ذلك القائد التاريخي كان يتمنى ان يتوفاه الله وهو على ارض المعركة , ولكنه في النهاية توفي على فراش المرض ومع هذا ظل قائدا تاريخيا حتى يومنا هذا , وانت ايضا كنت في ارض المعركة بقلمك على مدار اربعين عاما ولكن مشيئة الله كانت بان تخطف روحك من على الارض وانت على فراش المرض , كنت صابرا ومحبا ومؤمنا .. لم اسمع منك ذات يوم مذمة انسان مهما أخطأ بحقك , وكنت ترى الوحدات بانه سيبقى مخيما للاجئين الفلسطينيين وان رسالة هذا المخيم تكمن في محبة فلسطين والاردن , لذلك لا عجب انك تركت اكبر الاثر في نفوس كل العرب وكل من عرفوك .
قهرنا الموت برحيلك وترك في قلوبنا غصة لن ينمحي اثرها ما دمنا على قيد الحياة , لنذكر في كل لحظة ان احد الاعمدة الرئيسية لنادي الوحدات قد رحل , الكابتن وليد قنديل قال في كلمة له : " برحيل سليم حمدان مات كل الجيل القديم " , فلا ريب ان يبكيك الرجال لان زينة رجال الوحدات رحل , حتى هذا الجيل الحديث الذي لم يعرفك كثيرا بكاك , فكيف لا والمخيم يتشح بالحزن والسواد والحداد على روحك الطاهرة .
لم اعرف كيف قادتني اقدامي الى المستشفى حين سمعت بانك فارقت الحياة , ولم اعرف كيف بدأت هستيريا الدموع تنزف دما وانا اقف عند سريرك , ورغم انني شاهدت جميع اقاربك ومحبيك يجتمعون حولك والدموع تغرقهم الا انني كنت اقول لا لم يرحل بعد , ومهما صرخت نفسي الا ان الموت كان شاخصا امامي بكل قوة , سمعت صوتك تقول لي لا تبكي يا ابنتي فالان قد ارتحت , ولكني رغم كل ذلك لم استطع الا ان ابكيك كما لو أنني لم ابكي من قبل , وانت رفضت ان تغادر الى قبرك الا عندما جعلتني اراك وألقي عليك نظرة الوداع الاخيرة ..
اولاد اخوتك الاوفياء اللذين وقفوا الى جانبك طوال مسيرة حياتك وتربوا الى جانبك ذكورا واناثا , ظلوا كما ربيتهم , اخوانك اخواتك الستة وأبنائهم كانوا يرددون ان وفاتك كسرت ظهورهم فقد كنت الاخ والاب الحاني لهم دائما , بيسو تلك الفتاة الصغيرة هل تذكر عندما كنت تقول لي هناك وليمة عشاء تعالي لتناولها سويا فآتي لأجدك تضع تلك الاطباق التي تليق بالفقراء , صحن الفول والزيت والزعتر وبعض اقراص الفلافل , كانت دائما بيسو هي نكهة العشاء الذي تحضره اختك المصونة برفقة بيسو الصغيرة , تصور أن بيسو قالت لي لا تبكي يا ريمون فعمي الان في الجنة , حتى عيسى ذلك الشاب الصغير الذي رافقك في ايامك الاخيرة رفض ان يتركك وحدك حتى في وفاتك فقد ترك بجانب جثتك قلادته التي كتب عليها بعض من آيات القران الطاهرة لتبقى معك وتحرسك , فكيف تريد منا ان لا نحزن لرحيلك .
ابو السلم .. لا اريد الان ان الوم احدا ممن قصروا بحقك لأنك لم تعتب على احد حتى اخر لحظة من حياتك , ولكني لا اتخيل كيف سيبدو مقر الجريدة الان في غيابك كم سيكون موحشا , فانا لم اعتد ان اتي وألا أراك هناك ولكن بعد اليوم لم يعد يبقى الا الغياب , غرفتك ستفتقدك يا سبع الدار فقد احست بنار الموت والغياب , تركت لنا ارشيفا رياضيا وعربيا رياضيا نادرا سوف تحافظ عليه عائلتك كما وصيت به لعبد الرحمن , وكلما نرى فريق الوحدات يلعب سوف نذكرك , وكلما نمشي من ازقة المخيم سنذكرك ..
اعرف ان كلماتي غير مرتبة وانا لا اريدها كذلك اريد ان تخرج من القلب الى القلب , لا ارى منطقا ولا عقلا وانت تكتب عن تاريخ الوحدات واسطورته التي رحلت .. وعدتني ان نذهب الى فلسطين سوية ولكن بعد هذا اليوم اعتقد ان ذلك لن يتحقق ولكني اعدك بانني اذا ذهبت سأجلب لك ترابا من القدس الشريف وأمزجه بتراب قبرك الطاهر , لكي تبقى فلسطين حاضرة فيك حتى وانت غائب .. الوداع يا ابا الفقراء والصحفيين والوحداتيين والرياضيين .. الوداع يا أبي ..
عندما تتبعثر حروفكِ يا بنت المخيم وبهذه الطريقة , وتسقط الكلمات في بحر الحقيقة .. نعترف بعدها ان الغياب لحناً خجولاً امام حضوره الشامخ في مخيمه مع حروفه الجريئة
لا ادري يا ريمون ,,, هل من الممكن ان نتجرأ لنقول يوماً الحقيقة , كان هناك فارس وعندما غاب الفارس سقطت اوراق الحقيقة ,, طوبى لك ايها المخيم ,, طوبى لكِ يا ريمون ,, طوبى للتاريخ الذي انتشل الحاضر من السقوط في زمن اضعنا به طريق الوصول ,, كانت الساعات ثقيلة وكانت الشمس قوية وكان التاريخ يكتبه الفارس وربما يأتي من يقرأ بعد سنوات ويعترف بالحقيقة
رأيت فيك الرجل الفلسطيني القديم الذي كان يعشق فلسطين حتى الثمالة , وفي النهاية رحل كما يرحل الكبار .. كنت حين تبدأ دموعك العزيزة علينا بالنزول على خدك تنزل على فلسطين , وتقول " راحت فلسطين لن أراها بعد اليوم " .. فلسطين ايضا افقتدتك وسوف تفتقد حنينك واشتياقك لها وحديثك عنها ولهجتك الاصيلة التي حافظت عليها حتى اخر يوم من ايام حياتك .
-----