قصة: كنافة .... لفداء اسماعيل العايدي.
كنافة
أعمل بسرية على شعار النادي حدَ الالتحام مع الخشب (( عالي عالي عالي نسرك يا وحدات ياغالي ، تحت جناحه أنا.....))
- اسكت........ ( عادة و منذ وصولي جنين نجحت في الاختباء من قذائف إسرائيل لكني لم أنجح في الهروب من عمي )
- كانت الضربة في رجلك من الله مشان تبعد عن الهمالة وتمسك "حصة" أبوك في هالمنجرة.
زارت خاطري حصتي البرتقالية من الكنافة النابلسية التي عادة ما يوزعها النادي في المخيم عند الفوز ببطولة، لكنها لم تلبث أن هربت حيث لم تجد حيزا للحلو بين الجروح التي خلفتها قذائف عمي.
* * *
بالنسبة للشمس فهي ذاتها التي تشرق في الصويفية ، مختصر الظاهرة أنها تنعكس بيضاء و تفرض نفسها كقطة تتغنج تحت أقدام الأثرياء فينتبهون لوجودها . وتنعكس على الجدران القذرة والقمامة المتراكمة والذقون غير الحليقة للعاطلين عن العمل قرب النادي أكثر شحوبا، وتسرق التضاريس السابقة أحيانا كثيرة الفرصة لاحتفال شعري بالشمس في فصل الشتاء.
* * *
رجعت من جنين أبأس الجنان ، أمد لساني على طوله للوحدة والدماء متمترسا أعلى صدر أمي. ظللت قابضا على الذكرى التي تواسيني عندما أفلس و أجوع و أذل و أخاف، أرفع قدم بنطالي اليمنى، تنخز مسامير البلاتين روحي قبل ركبتي في اصطدام الإقلاع الذي لا بد منه في البداية، لكن روحي سرعان ما تطمئن مع سير رحلة الذاكرة إلى أيام الكابتن رائد أفضل لاعبي الوسط في الوحدات – أهرب من الرقابة، أراوغ ثلاثة مدافعين، أدخل منطقة الستة عشر فمنطقة الجزاء أكسر مصيدة التسلل، مدافع الخصم يتربص بي لكني أتفادى إصابة حتمية و أمرر في الأمام للهجوم....جووول- (( وحداتية..... وحداتية..... وحداتية )) أصوات الجماهير لا تمنعني من النوم! ليست مزعجةً على الإطلاق! لأن الذكرى أحالتها ترنيمة لما قبل النوم .
* * *
الألفة في المخيم تصل حد أن بائعي الكعك والبيض يعطون أنفسهم حق إيقاظك. وأن الزمن بين قيامك من فراشك البالي وإلقائك التحية على جار من النافذة لا يتجاوز الثواني. رفعت جذعي مسافة أقل من نصف متر و قلت: - صباح الخير أبو نضال، مبكر اليوم.
- ابتعت الخضار الطازجة من أمام النادي.
أدرت رأسي و أطبقت على الفكرة في ذهني بينما كانت كفي اليسرى تهبط تدريجيا من الهواء بعد أداء التحية ، ثم ارتفعت إلى الجدار المقابل : صباح الخير كابتن قنديل ، كابتن عزت حمزة ، كابتن عموري. صورهم غير موجودة في غرفتي في جنين.
ملحت شريحتين من البندورة وضعتهما في ربع رغيف تناولته عن مدفأة البوري وكنت أفصل بين كل قضمة بحبة زيتون أسود يقطر زيتا بلديا.
- حجة أين البدلة ؟ بدلة الوحدات ؟
- لا خروج إلى النادي. ألم تكفك ثلاثة أيام من بيت إلى بيت في المخيم؟ لا تقل أنهم يوزعون الكنافة النابلسية، لأن عقلي هو الجزء الذي لم يطله الخرف بعد، و أعلم أنهم لا يفعلون صباحا .
- لا لا لا، إن شاء الله عندما يحرز الوحدات الدوري بعد أسبوعين ستحتفظون بنصيبي.
توارت أمي صامتة، أو يائسة.
- رائد، أمي لا تريدك أن تتذكر الإصابة والاعتزال.
- عزو ، أنا ذاهب لأرى الشباب قبل سفري وقبل المباراة.
- يا ولد، خذ ارتد هذه السترة فوق ملابسك فلا تصاب بالبرد، ولا تطل السهر لتسافر مع الفجر فلا تحتجزك أزمة الجسر.
لا بد أن تعود أمي للظهور.
* * *
- سأمر في الصباح كي أودعك......تصبح على خير.
- الله معك........ليلة سعيدة.
عائد إلى جنين إذن، الخوف من العدو ومن سلطة البشر......
- كيف الحال كابتن رائد ، اشتقنالك.
- أهلا ، أهلا.
كيف سأحزن على الوطن. أحسد البعيدين إذ يملكون فرصة تخيل الوطن، يملكون ميزة الحلم بالمفقود البعيد دون أن يكدر الواقع الأجواء ويحرق الفرحة.......
- هلا أبا خالد، ما زلت تعمل على سرفيس ماركا الشمالية ؟
المخيم جعلني أحب البلاد قبل أن أراها، الوحدات استثمر في مشاعري حبا لوطن لم أره.........
- تفضل اشرب كأس شاي.
- مرة أخرى يا صلاح، فقط ارفع صوت مارسيل خليفة قليلا حتى أسمعه من غرفتي.
* * *
قال السائق الذي سريعا ما غزاه النعاس منذ التقطني عن الجسر ( بنكدرش نخش عالمخيم)، التاسعة مساء في مخيم جنين، حظر التجول يقبض روح الشوارع و يدفع بالحياة إلى خلف النوافذ أو إلى تحت الأغطية ، القصف بدأ، إسرائيل بدأت مباراتها ، أنا بدأت مباراتي .
أهرب من الرقابة ، أراوغ ، مجموعة على لاعب واحد ،أدخل منطقة الستة عشر فمنطقة الجزاء ، وددت لو أمرر لكنني وحدي دون إسناد ، اسمع صوت الجماهير ((وحداتية...وحداتية...وحداتية)) الخصم يضرب قدميّ بقوة، أسقط ، أنا خارج الملعب ....لم أنجح في الاختباء هذه ال........ .
* * *
الحجة كانت تدفع صخرة جاثمة على قلبها منذ أسبوعين حين سألت :
- ما هذا الصوت في الخارج ؟ عزو شو في برة ؟
دفع عزو شيئا من الغبار ثمن ارتكاز كفيه على النافذة.
- النادي جاب الدوري . كانت جملة باهتة نمت لتصبح متحمسة و إن بخجل: الوحدات جاب الدوري!
دخلت الأم إلى الغرفة .
ذلك الصدى القصير الذي يسمع لباب البيت الحديدي عند دقه بقوة ، ليس سوى علامة على الشيخوخة والهشاشة .
- تفضلوا حلوان الدوري.
الغرفة لفظت الأم ، الأم لفظت الدموع :
- رحمة الله عليك يا رائد، رحمة الله عليك يا رائد.
منقول
كل الشكر للكاتبة
واهلا وسهلا بها عضوا فاعلا في الوحدات نت
ونشكرها على مشاركتها في المسابقة الفلسطينية
مشاركة بعنوان
مزيج رائع يتهادى رويدا رويدا حتى تستوعب الفواصل بين مكوناته
في لحظات تتناقل الروح بين مخيمين وكأن المسافة بينهما زقاق أو مسافة ما بين عربة خضار و أخرى
الهم بينهما واحد وان اختلف طعمه
أو تغير مقدار السكر المعقود الذي يغمره
هجمات هنا و هناك
و كلا الجبهتين دون إسناد
فأنت أنت...
أنت لا زلت وحدك
خالي الوفاض من أية عيوب
كم استغرب ان يكون موضوع بهذا الحجم وهذا الاسلوب السلس والرائع
ان نقوم برفعه الى الاعلى حتى تتم المشاركه عليه
كم يوسفني ان اشاهد موضوع بهذا القوه ولا ارى الاخوه الاعضاء يعلقون عليه
موضوع لا علاقه له بختلاف وجهات النظر حتى لا نعلق عليه
اعذروني احبتي وقوموا بقرأة الموضوع بتروي
ستجد الف سبب للمشاركه والمعنى في جوف الكلام