عندما يتجلى الاستاذ عثمان القريني بالتعليق على المباريات التي يكون الوحدات طرفا فيها ويبدع فيها البيكاسو بتمريرة ساحرة كان لا يتردد المعلق الكبير بوصف رأفت علي انه من افضل اللاعبين في العالم بايصال المهاجمين الى المرمى باقصر الطرق
تقتل النشوة الكلام، وتستولي البهجة على النفس، وتأسر السعادة الروح من مختَلَف أقطارها، مما يجعلنا نلوذ بالصمت حتى يصدق قول الشاعر: كَلِماتُنا في الحُبِّ.. تقتلُ حُبَّنَا، إن الحروفَ تموتُ حين تقال.. .
هذا حال العاشقين لقائد الوحدات الأفضل، ونجمهم الألمع، ومعلّمهم الأبدع، وفنانهم الأمتع، والبيكاسو الأقنع، رأفت علي.
لم يُفتن الجمهور قَبلَه بِمِثلِه، ولا صدَح المعلّقون بمَدْحٍ كوصِفِه، ولا عرف المدرّبون ساحراً بحَجْمِه، لذا فهو "المُخَلِّص" و"المُنقِذ"، وأنشودة الوحدات الخالدة، وحكايته الأبهى، وسحره الأبقى، وفتنته الأبهج.
مثّلت بدايته حالة من الدهشة ثقيلة العيار على المتابعين، فاحتار المعلّمون بحركاته وسكناته وغمزاته حدّ الخجل، وانذهل اللاعبون برسماته حدّ الترويض، وأبدعت الجماهير في أهازيجه أيّما إبداع.
ومع ذلك فهو صاحب شخصية متزنة داخل المستطيل الأخضر وخارجه، لم يسكنها الزَّهْو، ولم يسقط في فخاخ الشهوات على حضورها وتنوعها، مما جعله حميماً قريباً إلى شرفات القلب وفضاءات الروح، يمدّ الوحداتيين بروافد السكينة، وتنمو معه أزاهير الفرح.
مضى مع كرة الوحدات منذ ومضة تكوينه، فانساب ضميره في تضاعيفها، وأعمل عقله في تراتيلها، وعاش مع ناديه مواسمه المتعاقبة في حالتَي اليباب والإخصاب بروح عصاميّة، وحماسة لا تخبو، وعزيمة لا تلين، حتى حمل رتبة قائد الفريق التي لم تزد في عطائه، ولكنها زادت من مخزونه في قلوب أحبته من لاعبين وإداريين ومُعجَبين؛ ففرض احترامه على شريحة واسعة من شرائح اللعبة، وكان عنصراً أساسياً في كلّ مباراة يقوم على هندسة أحداثها، فبهمسة واحدة يأسر الجماهير، وبأخرى يؤججهم، وبثالثة يهزّ الدفاع، وبرابعة تزغرد الشباك حين مجزرة.
حتى إذا توّج الوحدات بعطائه، وزيّن كأس الدوري بزيّه "13"، أعلن قرار اعتزاله على مرمى دمعة من الكأس، الذي جعل كثيرين حائرين بين توقيت القرار وتوفيقه، مما جعل كتاباتهم تحمل هماً موجعاً ممتداً وألماً موشّى بالأسى، وأحيانا أملاً أخضر لا يعرف الجفاف..، لتَظَلَّ على الأصابع رعْشَةٌ، وعلى الشفاهْ المطبقات سُؤال.
صاغ رأفت علي رُوحه المُتْعَبَة القَلِقَة الحَالِمَة المُوجَعَة بدفقات من الحب والحنين والشوق وبعض الغضب، وبموسيقى عذبة هادئة عميقة لا نشاز فيها ولا طبول؛ تلامس ما نراه وما لا نراه، وتجلو كلَّ خبيء ومكنون؛ لتشكل لحظة اعتزاله صرخة الجسد وهو يواجه المخرز، أو قبضة الماء وهي تفلت ما فيها.
ومع كلّ هذا سيظل رأفت علي حكاية نابضة بالحياة، وصورة قابلة للاكتشاف، مع كل مشاهدة رقمية جديدة، وسيظل "ابن الحاج علي" معقل الأمل وموئل الرجاء لعاشقي الوحدات أينما وُجدوا، ويظل الأمل يحدوهم بتكريم يليق باسمه.
ستظل مسيرة رأفت علي أكبر من الحلم، وأعظم من المستحيل، وسيبقى سحره الفاتن ملاذ الجماهير كُلّما ضاق الكون واتّسَعَت الخُطى، وستبقى إبداعاته الكرويّة أجنّة في رحم المستقبل، تنجب ألمع النجوم، وتستمع بها الأجيال على مرّ السنوات.
أخيراً سيظل "رأفت علي" اسماً يهزّ العالم، ويختزل في المديح كلّ الكلام.